التذنيب الرابع : استدل المتكلّمون على أنّه لمّا كان لكلّ واحد من الحوادث أوّل وجب أن يكون للمجموع أوّل (١) ، كما أنّه لمّا كان كلّ واحد من الزنج أسود وجب أن يكون الكل أسود.
ولا شكّ (٢) في أنّ إطلاق القول بأنّ المجموع لا بدّ وأن يكون مساويا لجميع أجزائه في كلّ الأحكام باطل ، وإلّا لكان كلّ واحد من العشرة عشرة ، وهو محال. والقياس على الزنج غير مستقيم ، لأنّ من عقل كون كلّ واحد من الزنج أسود اضطر إلى العلم بأنّ الكلّ كذلك ، بخلاف المتنازع ، وإذا فرقت البديهة بطل الإلحاق. ومع صحّته فانّه غير مفيد ، لأنّا لم نقل : إنّ حكم المجموع مخالف لحكم الآحاد لا محالة بل قد يكون مخالفا وقد لا يكون ، وهو موقوف على الدليل. والصورة الواحدة لا تقتضي ثبوت الحكم في كلّ الصور.
على أنّ هنا بحثا آخر ، وهو أنّا نقول : لا شكّ في جواز خلو كلّ واحد من الأجسام المعينة عن كلّ واحد من الأكوان المعيّنة وإلّا فحينئذ يجب اتصاف كلّ جسم بكون معيّن ، وحينئذ لا يمكن إثبات حدوث الأكوان ، وإذا ثبت ذلك فنقول : إن لم يلزم من جواز خلو الجسم المعين عن كلّ واحد من الكائنيات المعينة جواز خلوه عن كلّ الكائنيات كان حكم المجموع مخالفا لحكم الآحاد هنا ، وإذا كان كذلك بطل قولهم في هذه المقدمة : إنّ حكم المجموع لا بدّ وأن يساوي حكم الآحاد. فظهر من هاتين المقدمتين نوع تناقض وربما أمكن تكلف إزالته ، لكن الذي قدّمنا يغني عن ذلك كلّه.
والحقّ أن نقول هنا : إذا كان كلّ واحد حادثا وجب أن يكون الكلّ حادثا لتقومه بآحاده.
__________________
(١) راجع المحيط بالتكليف : ٦٦ ـ ٦٧ ؛ المطالب العالية ٤ : ٢٧٧.
(٢) أنظر الاعتراضات على استدلال المتكلّمين في المطالب العالية ٤ : ٢٧٧ قوله : (اعترض الخصم).