إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، فإذا كان بقاء العالم متعلقا بإبقاء الله تعالى إيّاه وثبت أنّه يصحّ من الله تعالى أن لا يبقيه فبتقدير أن لا يبقيه وجب أن لا يبقى ، فثبت أنّ الفناء على العالم (١) ممكن.
لا يقال : لا نسلم أنّ المحتاج إلى المؤثر إمّا الوجود أو العدم أو مسبوقية الوجود بالعدم بل المحتاج هو خروج الشيء من العدم إلى الوجود ، فهذا قسم وراء ما ذكرتموه.
سلمنا أنّ الوجود هو المحتاج إلى المؤثر ، فلم قلتم : إنّه تبقى تلك الحاجة حال البقاء؟ بيانه هو : أن الشيء حال العدم كان العدم به أولى فلا جرم وجب أن لا يخرج من العدم إلى الوجود إلّا بمؤثر ، ثمّ إذا دخل في الوجود صار الوجودية أولى فتلك الأولوية تغني الباقي عن الحاجة إلى المؤثر.
سلّمنا أنّ الممكن حال البقاء محتاج إلى المقتضي ، ولكن لم قلتم : إنّ انقطاع تأثير القادر عنه بعد تعلّقه به ممكن؟ وما الدليل عليه؟
لأنّا نقول : لا يعقل قسما آخر مغايرا للثلاثة ، لأنّ كلّ معقول فإمّا أن يكون ثابتا أو منتفيا ، وإذا كان الثابت متجدد الثبوت كان ذلك الثبوت متأخّرا عن ذلك العدم ، وذلك يقتضي أن لا يعقل قسم زائد. والخروج الذي أثبتموه رابعا إن لم يكن إيجادا لم يكن محتاجا ، وإن كان فهو الذي اخترناه.
وأمّا الأولوية (٢) ، فالشيء حال بقائه إمّا يقال : إنّه بقى كما كان حال حدوثه أو ما بقي كذلك ، فإن كان الأوّل لزم من احتياجه إلى المؤثر حال حدوثه احتياجه إليه حال بقائه ، وإن كان الثاني فهو باطل ، لأنّ تلك الذات التي كانت حاصلة وقت الحدوث إن لم تكن هي بعينها حال البقاء حاصلة لم يكن هاهنا شيء باق ،
__________________
(١) ق : «البقاء على العدم» ، وهو خطأ.
(٢) وقد مرّ إبطال القول بالأولوية في المجلد الأوّل ، ص ١٤٦.