كذلك ، بل قلنا : إنّه سيعدم ، لم يلزم ما ذكره.
قال أفضل المحقّقين : (١) لا منافاة بين أدلّة الحكماء وما ادّعاه المسلمون من صحّة الفناء ، لأنّ أدلّة الحكماء بأسرها ترجع إلى أنّ العالم واجب لغيره (٢) ودعوى المسلمين أنّه ممكن لذاته ، وليس بين الأمرين منافاة تقتضي مخالفتهما ؛ لأنّ اسناد امتناع عدمه إلى مؤثره الموجب يدل على الامتناع نظرا إلى الغير. وكذا امتناع عدم الزمان بعد وجوده لا يدل على امتناعه لذاته. ودليل سبق الإمكان لم يفرّق بين الإمكان الذاتي فيه وبين الإمكان بمعنى الاستعداد ، والإمكان [الثاني] يقتضي الاحتياج إلى المادة دون الأوّل ، ولم يدع أحد الخصمين ذلك الإمكان. وامتناع العدم بهذا المعنى ليس لذات الممكن لذاته إنّما يكون عند من يقول به لاحتياج ما يعدم (٣) بعد وجوده إلى المادة السابقة.
واحتجّ المسلمون (٤) على امتناع العدم بالعقل والنقل.
أمّا العقل : فهو أن نقول : لو انتفى العالم فإمّا أن يكون انتفاؤه لمؤثر أو لا لمؤثر. والثاني باطل ، لأنّ اختصاص انتفائه بذلك الوقت دون ما قبله وما بعده لو وقع لا عن مرجّح مع تساوي الأوقات بالنسبة إليه لجاز وقوع الممكن لا عن المرجح لتساوي طرفي الوجود والعدم في استغناء الممكن عن المؤثر وحاجته إليه.
وإن كان لمؤثر فذلك المؤثر إمّا أن يكون عدميا أو وجوديا ، فإن كان عدميا فذلك لا بدّ وأن يكون عدما لشيء لا يوجد الجوهر إلّا عند وجوده حتى يكون عدمه مقتضيا لعدم الجوهر وهو انتفاء الشرط ، وهو باطل :
__________________
(١) نقد المحصل : ٢١٩ ـ ٢٢١. بتصرفات من المصنّف.
(٢) في المصدر : «بغيره».
(٣) في المصدر : «المنعدم».
(٤) في المصدر : «[الكرامية] المسلمون».