وأمّا إن كان عدم الجوهر لأمر وجودي فذلك الشيء إمّا موجب أو مختار. أمّا الموجب فهو أن يقال : إنّه ينتفي عند وجود ضده ، وهو باطل لوجهين :
الأوّل : أنّ التضاد حاصل من الجانبين وكلّ منهما قابل للعدم ، فليس انتفاء الجوهر بذلك الضد أولى من انتفاء ذلك الضدّ بوجود الجوهر ، فإمّا أن ينتفي كلّ واحد منهما بالآخر ، وهو محال ، لأنّ المؤثر في عدم كلّ واحد منهما وجود الآخر ، والمؤثر حاصل مع الأثر فلو حصل العدمان معا لحصل الواحدان معا فيكونان موجودين معدومين دفعة واحدة ، وهو محال : أو لا ينتفي أحدهما بالآخر فيلزم اجتماع الضدين.
لا يقال : انتفاء الجوهر بذلك الضد أولى لوجهين :
الوجه الأوّل : الجوهر باق والضدّ حادث والحادث أقوى من الباقي. أمّا أوّلا : فلأنّ الحادث يستحيل عدمه ، لأنّه لو عدم لكان عدمه مقارنا لوجوده ، وهو محال ، وأمّا الباقي فإنّه لا يستحيل عدمه ، لأنّه بتقدير عدمه لا يكون عدمه مقارنا لوجوده. وأمّا ثانيا : فلأنّ الحادث متعلّق السبب والباقي منقطع عن السبب ، فكون (١) الحادث مع السبب يفيده زيادة قوّة.
الوجه الثاني : أن يخلق الله تعالى من ذلك الضد أعدادا أكثر من أعداد الجوهر فلا جرم كانت باعدام الجوهر أولى.
لأنّا نقول : لا نسلّم أنّ الحادث أقوى.
قوله : «لو عدم الحادث لكان عدمه مقارنا لوجوده».
قلنا : نحن لا نقول : إنّ الحادث يوجد و (٢) يعدم في وقت واحد بل الباقي
__________________
(١) ق : «فيكون».
(٢) ق : «وقد».