كان ذلك قولا ببقاء الجوهر لأجل ضد ، وإن لم يقتض عدمه كان ذلك الجوهر باقيا بعد حصول ذلك الاعدام.
وأمّا إن لم يكن الاعدام أمرا مشارا إليه متميزا عن غيره استحال جعله تأثير مؤثر أو فعل قادر لما ذكرنا أنّ القادر من له الأثر. ولأنّ الاعدام إن لم يكن وجوديا كان عدما محضا فامتنع اسناده إلى المؤثر ، لأنّه لا فرق بين أن يقال : لم يفعل الله شيئا وبين أن يقال : فعل العدم ، وإلّا كان أحد العدمين مخالفا للثاني فيكون لكلّ واحد من العدمين تعيّن وثبوت فيكون للعدم ثبوت ، هذا خلف.
وإن كان وجوديا لم يكن ذلك الوجود عين عدم العالم ، وإلّا لكان (١) الوجود عين العدم ، بل غايته أنّه يقتضي عدم الجوهر فيكون ذلك اعداما بالضد وليس هو هذا القسم(٢) ، فالقول بفناء الجواهر يفضي إلى أقسام باطلة فيكون القول بفنائها باطلا.
وأمّا النقل : فقوله تعالى في قصة إبراهيم عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)(٣). وإبراهيم عليهالسلام سأله عن كيفية إحياء الموتى ثمّ إنّه تعالى أراد الجمع بين التفريق والاحياء بعده ، وإذا أراه ذلك جوابا لسؤاله صحّ أن يكون بالتفريق دون الفناء لوجهين :
__________________
(١) ج : «كان».
(٢) ق : «هذا هو هذا القسم» ، وفي عبارات الرازي : «وليس هذا هو القسم الأوّل ، بل هو القسم الثاني».
وهو يشتمل على السؤال عن جميع المقدمات التي يفعلها الله تعالى حتى يهيأهم ويعدّهم لنفخ الروح فأمره الله تعالى بأخذ أربعة من الطير وتقطيعها وتفريق أجزائها ومزج بعض الأجزاء ببعض ثمّ يفرقها ويضعها على الجبال ثمّ يدعوها فلما دعاها ميز الله تعالى أجزاء كلّ طير عن الآخر وجمع أجزاء كلّ طير وفرقها عن أجزاء الآخر حتى كملت البنية التي كانت عليها أوّلا ثمّ أحياها الله تعالى. راجع كشف المراد : ٤٠٢.
(٣) البقرة / ٢٦٠.