سلمنا أنّ الأمور التي لا يمكن أن يكون كلّ واحد منها وحده موجبا لشيء فانّ مجموعها يعقل أن يكون موجبا في الجملة ، ولكن لا يمكن في هذا الموضع أن يكون كذلك ؛ لأنّه إذا قيل الإنسان حيوان والحيوان جنس ، لزم أن يكون الإنسان جنسا. فالمقدمتان صادقتان والنتيجة كاذبة ، وما ذلك إلّا أنّ هذا النظم غير منتج.
سلمنا استقامة هذا النظم في الجملة ، لكن نمنع استقامته في هذا الموضع لوجهين :
الأوّل : كلّ مطلوب له طرفان : الموصوف والصفة ، فإذا قلنا : الجسم محدث ، فالجسم هو الموصوف ، والمحدث هو الصفة ، ثمّ لا بدّ من شيء يتوسط بينهما بحيث تكون له نسبة إلى كلّ واحد من الطرفين ، فهذا المتوسط هنا لا يخلو إمّا أن يكون هو قولنا : لا يخلو عن الحوادث ، أو قولنا : لا يخلو عن حوادث ذوات بداية.
فإن كان الأوّل صار الدليل هكذا : الجسم لا يخلو عن الحوادث ، وكلّ ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ، وحينئذ تصير الثانية كاذبة ؛ لأنّا لو قدّرنا أن لا تكون للحوادث بداية فلا يلزم من عدم خلو الجسم عنها حدوثه.
وإن كان الثاني صار الدليل هكذا : الجسم لا يخلو عن حوادث لها بداية ، وكلّ ما كان كذلك فهو حادث ، وحينئذ تصير المقدمة الأولى عين المطلوب ، فيندرج حكم المسألة في العلّة ؛ لأنّ المعني بقولنا : الأجسام لا تخلو عن حوادث لها بداية ، أنّ للجسم بداية ، لأنّه يصير التقدير : أنّ الجسم لا يوجد متقدما على حوادث لها أوّل ، وهذا هو المعنى بكونه حادثا ، فتكون إحدى مقدمات الدليل نفس المطلوب ، وهو باطل. ولأنّه إذا حصل حكم المسألة بهذه المقدمة صارت