البحث الثالث
في التماثل والاختلاف في الأكوان (١)
اعلم انّا قد بيّنا أنّ الحق نفي هذا المعنى الذي أثبته أبو هاشم ، لكنّا نبحث في فروع مبنية على إثباته على مذهبهم ، فنقول : ذهب أبو علي وأبو هاشم إلى أنّ الأكوان منها متماثلة ومنها مختلفة ، والمختلف منها متضاد.
ثمّ اختلف الشيخان ، فقال أبو هاشم (٢) : الكونان المتماثلان هما اللذان يختصان بمحاذاة واحدة سواء كانا حركة أو سكونا وسواء اتحد المحلّ أو تغاير ، ولا يؤثر في تماثله أن يكون مرّة حركة يمنة والآخر حركة يسرة ، فانّ الواحد إذا مشى في جهة ثمّ رجع إلى ما ابتدأ منه كانت الأكوان الصادرة منه أوّلا متماثلة للصادرة عنه ثانيا ، لأنّ تحركه في الحالين في محاذاة واحدة. وأمّا الأكوان المتضادة فهي التي لا تختص بمحاذاة واحدة.
وبنوا ذلك على مقدمة هي : أنّ التماثل في المعلولات يستدعي تماثل العلل ، وهو باطل.
__________________
(١) راجع التوحيد للنيسابوري : ١٣٣ ؛ نقد المحصل : ١٥١ ؛ مناهج اليقين : ٦١.
(٢) قال النيسابوري : «إنّ على مذهب الشيخ أبي هاشم فإنّ تماثل الأكوان واختلافها إنّما يكون باتحاد الجهات وتغايرها. فكلّ كونين حصلا في محاذاة واحدة فهما مثلان ، سواء كانا حركتين أو سكونين أو كان أحدهما حركة والآخر سكونا. وكلّ كونين حصلا في محاذاتين فهما مختلفان». التوحيد : ١٣٢ ـ ١٣٣.