البحث السادس
في إدراك الأكوان
اختلف الشيخان هنا (١) ، فقال أبو علي : إنّ الأكوان أجمع تدرك رؤية ولمسا ، وهو قول الكعبي. ومنع أبو هاشم من ذلك ، وقال : الإدراك لا نتناولها البتة ، لكنّه تارة يقول : إنّها تعلم بالضرورة وإن لم تدرك ، وذلك حيث جعل العلم بالمتحرك علما بحركته ، وتارة رجع عن ذلك. وأبو علي قال أولا بقول أبي هاشم ثمّ رجع.
احتج أبو هاشم : بأنّ راكب السفينة لا يفصل بين كونها سائرة وكونها واقفة ، ولو كانت الأكوان مدركة لوجب أن يفصل بينهما ، لأنّ الإدراك للشيء إنّما
__________________
(١) فكان أبو علي يذهب إلى كونها مدركة بالعين مدركة بالعين وبغيرها من الحواس. وكان أبو هاشم يقول أوّلا : إنّها وإن لم تكن مدركة فهي معلومة باضطرار ، ثمّ رجع عن ذلك وقال بأنّ طريقها الاستدلال. المحيط بالتكليف : ٤٠. وقال أبو الهذيل : الأجسام ترى وكذلك الحركات والسكون والألوان والاجتماع والافتراق ... وانّ الإنسان يرى الحركة إذا رأى الشيء متحركا ويرى السكون إذا رأى الشيء ساكنا برؤيته له ساكنا ... وكان يزعم انّ الإنسان يلمس الحركة والسكون بلمسه للشيء متحركا أو ساكنا ، لأنّه قد يفرق بين الساكن والمتحرك بلمسه له ساكنا ومتحركا كما يفرق بين الساكن والمتحرك برؤيته لأحدهما ساكنا والآخر متحركا ... وأنكر (عباد بن سليمان) أن يرى أحد لونا أو حركة أو سكونا أو عرضا. مقالات الإسلاميين ٣٦١ ـ ٣٦٣. راجع أيضا مناهج اليقين : ٦٣ ؛ شرح المواقف ٦ : ١٨٥.