البحث السادس
في حدوث الأجسام (١)
__________________
(١) وهي من أجلّ المسائل وأشرفها ، وهي محل النزاع والمعارك بين الفلاسفة والمتكلمين. كشف المراد : ١٧٠ ؛ أنوار الملكوت : ٢٨. وقال الرازي : يروى عن جالينوس أنّه قال في مرضه الذي توفي فيه لبعض تلامذته : «اكتب عني ، إنّي ما عرفت أنّ العالم محدث أو قديم ...؟» ومن الناس من جعل هذا طعنا فيه ، وقال : «إنّه خرج من الدنيا كما دخل حيث لم يعرف هذه الأشياء».
وإنّا نقول : هذا من أدلّ الدلائل على أنّ الرجل كان منصفا ، طالبا للحقّ. فانّ الكلام في هذه المسألة قد بلغ في العسر والصعوبة إلى حيث تضمحل أكثر العقول فيه. والله أعلم. المطالب العالية ٤ : ٢٧.
وقد اشتد الصراع في هذه المسألة في تاريخ الفكر الإسلامي ؛ وذلك لعدّة أسباب أهمها : ١ ـ غموض المسألة في حد ذاتها. ٢ ـ تشعب الأدلّة وتعارضها بحيث تاهت فيها العقول ، ٣ ـ مهاجمة كلّ فريق للفريق الآخر واتهامه بالكفر والإلحاد. وقد أشار أبو البركات البغدادي إلى هذا الصراع ، فقال : شنع بعضهم على بعض ، فسمّى أهل الحدوث الفريق الثاني القائل بالقدم دهرية ، وسمّى أهل القدم أهل الحدوث معطلة ، لأنّهم قالوا بتعطيل الله عن وجوده مدّة لا نهاية لها في البداية. المعتبر في الحكمة ٣ : ٤٣.
وقد كانت هذه المسألة من أهمّ الأسباب التي كفّر بها الغزالي الفلاسفة. راجع د. محمد رمضان عبد الله ، الباقلاني وآراؤه الكلامية : ٣٤٩ ـ ٣٥٠. ـ