وأمّا السكون فلا يولّد الحركة ، لأنّه ليس توليدها في جهة أولى من غيرها. ومنه يعلم أنّه لا يولد الكون الاعتماد ، وإلّا لم يختص بجهة دون غيرها.
والحركة لا تولد الصوت ، لأنّ الحركة لا جهة لها فلا تولد في غير محلّها والصوت يحصل في غير محلّها ، فالمولّد له الاعتماد.
الوجه الرابع : المكان عند المشايخ هو ما منع من اعتماد الثقيل من النزول على وجه ثقله عند اعتماده عليه. وقال الكعبي : هو المحيط لغيره من جميع جوانبه. (١) وأبطلوه بأنّه ليس في المتعارف تسمية القميص مكانا.
إذا عرفت هذا فإنّه يمكن حركة جسم لا في مكان ، لأنّ الله تعالى لو خلق جسما ثقيلا لهوى عند فقد العائق ، وإن لم يكن مكان فقد تحرك لا في مكان. وقال النظام : الجسم لا تقع حركته إلّا في مكان ، وهو مذهب الكعبي (٢) ، فإنّه منع من
__________________
(١) كذا عرفه الشيخ المفيد ، حيث قال : «أقول : إنّ المكان ، ما أحاط بالشيء من جميع جهاته». وقال : «لا يصحّ تحرك الجواهر إلّا في الأماكن وهو مذهب أبي القاسم وغيره من البغداديين وجماعة من قدماء المتكلّمين ، ويخالف فيه الجبائي وابنه وبنو نوبخت والمنتمون إلى الكلام من أهل الجبر والتشبيه». أوائل المقالات : ١٠٠.
ويقول أبو رشيد بأنّ البصريين يرون بأنّ المكان هو «الشيء الذي يسند الجسم الثقيل وزنه إليه ، وحفظ هذا المكان يمنع من سقوط الجسم». ويستطرد أبو رشيد في بحثه قائلا بأنّه لا يمكن اعتبار الفضاء المحيط مكانا ، لانّه غير ثابت ومستقر. ولكن لو كان هناك جسم ثقيل واحد ، ليس له مكان يستقر عليه ، فليس له وجود في مكان معيّن ، عندها لا يكون هناك معنى لسقوطه.
إنّ أساس هذا الاختلاف هو اعتقاد البصريّين بوجود الخلاء ، وإنكار البلخي لوجوده. ولو لم يكن هناك شيء اسمه الخلاء ، فسوف يكون الجسم المماس لسطح الأجسام الأخرى دائما محيطا به. ولو كان الخلاء موجودا ، فلا يحتاج الجسم بأن يكون مماسا مع الأشياء الأخرى من جميع الجوانب ، وأفضل شيء يقال في جواب السؤال: أين هو؟ الإدلال على الشيء المستقر عليه إذا كان في حالة السكون. راجع مارتن مكدرموت ، نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد : ٢٥٩.
(٢) قال أبو رشيد بأنّ البلخي ينكر رأي البصريّين القائل بأنّ الجسم يمكن أن يتحرك بدون كونه في مكان. المصدر نفسه : ٢٥٨.