واختلف الشيوخ في علّة سكونها (١) واتّفقوا على وجه منها ، وهو أنّ الله تعالى يسكنها حالا بعد حال قدراً يوفى على ما فيها من الثقل.
وذهب أبو هاشم إلى آخر وهو أنّ النصف الأسفل يطلب الصعود ، والأعلى الهبوط.(٢)
وقال بعضهم : إنّ الله تعالى يسكن الصفائح التي هي تحت القرار على وجه لا يخرقها ثقل ما فوقها ، لأنّ وجه الأرض لو كان ساكنا لامتنع حفر الآبار من حيث كان مراد القديم أحقّ بالوجود.
وليس بمعتمد ، لجواز أن يكون السكون الذي في وجه الأرض دون ما يقدر عليه وإن حدث حالا فحالا ، فلهذا يتأتى منا الحفر. وأيضا يجوز أن يكون سكونه باقيا ولا يثبت له حظ في المنع.
__________________
(١) وقد ذكر الأشعري آراء الشيوخ في علّة سكون الأرض ، حيث قال : «واختلفوا في وقوف الأرض ، فقال قائلون من أهل التوحيد منهم «أبو الهذيل» وغيره : إنّ الله سبحانه سكّنها وسكّن العالم وجعلها واقفة لا على شيء.
وقال قائلون : خلق الله سبحانه تحت العالم جسما صعّادا من طبعه الصعود فعمل ذلك الجسم في الصعود كعمل العالم في الهبوط فلما اعتدل ذلك وتقاوم وقف العالم ووقفت الأرض.
وقال قائلون : إنّ الله سبحانه يخلق تحت الأرض في كلّ وقت جسما ثمّ يفنيه في الوقت الثاني ويخلق في حال فنائه جسما آخر فتكون الأرض واقفة على ذلك الجسم وليس يجوز أن يهوى ذلك الجسم في حال حدوثه ولا يحتاج إلى مكان يقلّه ، لأنّ الشيء يستحيل أن يتحرك في حال حدوثه ويسكن.
وقال قائلون : إنّ الله سبحانه خلق الأرض من جسمين أحدهما ثقيل والآخر خفيف على الاعتدال وقفت الأرض لذلك». مقالات الإسلاميين : ٣٢٦ (اختلفوا في وقوف الأرض). راجع أيضا أوائل المقالات للشيخ المفيد : ٩٩ ؛ المباحث المشرقية ٢ : ١١٦ ؛ شرح المواقف ٧ : ١٤٧.
(٢) قال البغدادي : «وزعم آخرون أنّ الأرض مركّبة من جسمين أحدهما منحدر والآخر مصعد فاعتدلا فيها ، فلذلك وقفت». المصدر نفسه : ٦٢.