يكون المتحرك فيه في حدّ من الحدود المفروضة للمسافة لا يكون قبله ولا بعده في ذلك الحدّ. (١)
أمّا الأوّل : فلا وجود له في الأعيان ، لأنّ المتحرك ما دام لم يصل إلى المنتهى فالحركة لم توجد بتمامها ، وإذا وصل فقد انقطعت الحركة وانتهت.
فإذن لا وجود له عينا ، بل في الذهن ، فانّ للمتحرك نسبتين : نسبة إلى المكان الذي تركه ونسبة إلى المكان الذي أدركه ، فإذا ارتسمت صورة كونه في المكان الأوّل في الخيال ثمّ ارتسمت صورة كونه في المكان الثاني قبل زوال الصورة الأولى عن الخيال ، اجتمعت الصورتان في الخيال ، فيشعر الذهن حينئذ بهما معا على أنّهما شيء واحد ، وأدرك أمرا ممتدا من أوّل المسافة إلى آخرها ، وليس في الخارج لهذه الحركة وجود البتة. (٢)
وأمّا الثاني : فهو أمر موجود في الخارج مستمر ما دام الشيء يكون متحركا ، ولا حصول له في شيء من حدود المسافة إلّا آنا واحدا ، فانّه لو استقر في حدّ واحد أكثر من ذلك لكان ذلك الحدّ منتهى حركته فيكون حاصلا في المنتهى لا في المتوسط بين المبدأ والمنتهى ، وليس في هذه الحالة تغيّر أصلا ، بل قد تتغير حدود المسافة بالعرض ، لكن ليس كون المتحرك متحركا لأنّه في حدّ معيّن من الوسط ، وإلّا لم يكن متحركا عند خروجه منه ولا بعد دخوله فيه بل هو متحرك ، لأنّه متوسط على الصفة المذكورة وتلك الحالة ثابتة في جميع حدود ذلك الوسط ، وهذه الصورة توجد في المتحرك وهو في آن ، لأنّه يصحّ أن يقال في كلّ آن يفرض أنّه في حدّ متوسط لا قبله ولا بعده فيه.
__________________
(١) هكذا عرفها التفتازاني في شرح المقاصد ٢ : ٤١١ ، والجرجاني في التعريفات : ١١٥.
(٢) وقال بهمنيار بعد ذكر هذا المعنى للحركة : «فذلك البتّة لا يحصل للمتحرك بالفعل ، بل إنما هو أمر يحصل في العقل.» التحصيل : ٤٢٢.