وقولهم : «كلّ حركة في زمان» إن عنوا بها (١) الأمر المعقول المتصل فهو في الزمان ، ووجودها فيه على سبيل وجود الأمور في الماضي ، لكن يفارقها بأنّ الأمور الموجودة في الماضي قد كان لها وجود في آن من الماضي كان حاضرا فيه ، وهذا ليس كذلك ، لاستحالة تحقّقه في آن ما من آنات الماضي.
وإن عنوا به المعنى الثاني ـ وهو الحركة بمعنى التوسط ـ فكونه في الزمان لا على معنى أنّه تلزمه مطابقة الزمان ، بل على معنى أنّه لا تخلو من حصول قطع ذلك القطع مطابق للزمان فلا ينفك من حدوث زمان. ولأنّه (٢) ثابت في كلّ آن من ذلك الزمان فيكون ثابتا في هذا الزمان بواسطة.
واعلم أنّ الماهية إنّما تتشخص بأمور خارجية ، وتلك الأمور هنا : وحدة الموضوع والزمان وما فيه الحركة ، فإذا اتحدت هذه الثلاثة يتشخص الحصول الذي هو الحركة ، فتكون الحركة الواحدة بالعدد هي التوسط بين مبدأ بالشخص ومنتهى بالشخص لموضوع واحد بالشخص في زمان واحد في نوع واحد ، وهذا المعنى أمر واحد موجود في الآن مستمر باستمرار الزمان كسائر الأعراض. فإذا افترضت للمسافة حدود معينة فعند وصول المتحرك إليها يعرض لذلك الحصول في الوسط ان صار حصولا في ذلك الوسط ، لكن صيرورته حصولا في ذلك الوسط أمر زائد على ذاته الشخصية. فإذا خرج الجسم عن ذلك الحدّ فقد زال كونه حاصلا في ذلك الوسط ، وما زال كونه حاصلا في الوسط بين ذلك المبدأ وذلك المنتهى فلا جرم تلك الحركة باقية بالشخص لكن زال عنها عارض من عوارضها. ثمّ لا يمكن تعاقب آحاد هذه العوارض ، لأنّ تعاقبها إنّما يكون بتتالي النقط في المسافة والآنات في الزمان ، ولمّا امتنع ذلك امتنع تتالي هذه العوارض.
__________________
(١) أي بالحركة.
(٢) في بعض نسخ الشفاء : «لا أنه».