المسألة الثانية : في المحرك
لا يمكن أن يكون المحرك هو نفس المتحرك ، فلا يتحرك الجسم لذاته من حيث هو جسم وإنّما يكون متحركا بقوّة مودعة فيه أو في غيره. واستدلوا عليه بوجوه :
الأوّل : لو كان الجسم متحركا لذاته لامتنع عليه السكون ، والتالي باطل بالضرورة ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : أنّ معلول الذات من حيث هي ذات ـ من غير اعتبار حصول شرط أو زوال مانع ـ يبقى ببقاء الذات.
الثاني : لو تحرّك الجسم لذاته لكان كلّ جزء من أجزاء الحركة ثابتا ، لأنّ كلّ جزء معلول الجسم والجسم ثابت ومعلول الثابت ثابت ، فكلّ جزء مفروض في الحركة يكون ثابتا ، وإذا كان ثابتا لم يكن للجزء الآخر حصول ، فلا تكون الحركة موجودة ، فلو كان متحركا لذاته لم يكن متحركا.
الثالث : لو كان الجسم متحركا لذاته فإمّا أن يكون له مكان يلائمه أو لا يكون ، فإن كان الأوّل وجب سكونه إذا حصل فيه ، وإلّا لكان المطلوب بالذات مهروبا عنه بالذات ، هذا خلف ، وإذا سكن بطلت الحركة وذاته موجودة فلا تكون الحركة ذاتية ، لأنّ الذاتي يدوم بدوام الذات. وإن لم يكن له مكان ملائم لم يكن طالبا لشيء منها ، وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح ، فلا يتوجه نحو شيء منها لذلك ، فلا يكون متحركا.
ولأنّه إذا لم يطلب مكانا بعينه لم تكن حركته إلى جهة وجانب أولى من حركته إلى جميع الجوانب والجهات ، فإمّا أن يتحرك إلى الكلّ وهو محال ، أو لا يتحرك إلى شيء منها ، فلا تكون ذاته مقتضية للحركة.