فلعلّ الجسمية التي في الحجر مخالفة في الحقيقة للجسمية التي في الإنسان وإن اتفقتا في قبول الأبعاد.
وبالجملة فالجمهور لمّا لم يعلموا من الجسم إلّا هذه الأبعاد والمقادير وكانت هذه الأبعاد والمقادير مشتركة بين جميع الأجسام ، لا جرم حكموا بتماثل الأجسام. أمّا الفلاسفة الذين أثبتوا أمرا زائدا على هذا الذي علمه الجمهور جعلوه صورة جسمية ، وهي أمر مغاير للمقادير والأبعاد ، والجسمية (١) أمر مادية قابلية هذه المقادير والأبعاد لم تكن تلك الماهية محسوسة ولا متصورة بالبديهة ، بل لا بدّ من تصحيحها بالبرهان فكيف يمكن ادّعاء الضرورة باشتراكها بين الأجسام؟
سلّمنا أنّ الصورة الجسمية مشتركة بين الأجسام ، فلم قلتم إنّها مشتركة في المادة؟ ونسلّم أنّها لو اقتضت الصورة الجسمية الحركة لتشاركت الأجسام فيها ، لكن لم لا يجوز اسناد الحركة إلى المادة المخصوصة؟
ولنزده بيانا فنقول : الفلك غير قابل للكون والفساد عندكم فيكون ماله من الشكل والوضع والمقدار واجب الحصول لا يمكن زواله ، فذلك الوجوب إن كان لنفس الجسمية وجب أن يكون كلّ جسم كذلك لتساوي جسمية الفلك وغيره ، فلمّا لم يلزم أن يكون كلّ جسم كذلك فلم لا يجوز مثله هنا؟ فيتحرك بعض الأجسام لجسميته ولا يجب اشتراك الأجسام في الجسمية. وإن كان لأمر موجود في الجسمية زائد عليها ، فذلك الأمر إن لم يكن لازما للجسمية لم يكن اللازم بسببه لازما لجسمية الفلك ، وإن كان لازما فلزومه إمّا لنفس الجسمية أو لغيرها ويعود البحث ، فلا ينقطع التسلسل إلّا باعتبار أحد أمرين :
إمّا أن يقال : تلك الأشكال والصور والأعراض غير لازمة لجسمية الفلك ، وحينئذ يلزم جواز الخرق والالتئام والكون والفساد على الفلك.
__________________
(١) ج : «فالجسمية».