المادة لقبول ضدّ ، ويترجح بتلك القوة ذلك الضدّ على غيره. وإذا لم تكن المادة كذلك ، بل كانت لذاتها تقتضي قبول شيء بعينه (١) فخصّصه القبول به دون غيره استغنت عن القوّة الجسمانية أصلا ؛ لأنّ تلك القوّة ليست موجدة للحركة ، فانّ معطي وجود الأشياء هو المبدأ الفياض ، ولا مخصصة للمادة فقبول هذا العرض دون ضدّه لأنّ المادة لذاتها متخصصة الاستعداد فلا يكون لتلك القوّة اعتبار البتة فلا تكون موجودة ، وإلّا لكانت معطلة ولا معطل في الطبيعة.
لا يقال : المادة لا تصلح لمبدئية الحركة لأنّها قابلة ، فلا تكون فاعلة.
لأنّا نقول : سيأتي بطلان هذا القول (٢). وينتقض بلوازم الماهية فانّها تصدر عنها وهي القابلة ، ومع ذلك فانّه يعود إلى الوجه الخامس ، وهو ضعيف لما تقدّم.
وعلى السادس : بأنّه لا يستلزم التقدم ، بل المصاحبة. ولا نقول : الذات تحرك نفسها بواسطة الحركة التي توجدها لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه ، بل النزاع في أنّ الذات باعتبار حقيقتها وماهيتها هل تكون علّة لمتحركيتها؟ ولا يلزم من فساد قولنا : الذات توجب حركة نفسها بواسطة حركة نفسها ، بطلان قولنا : الذات لا توجب الحركة لنفسها. كما أنّه لا يلزم من بطلان القول : بأنّ الأربعة لزوجيتها علّة لزوجيتها ، فساد القول: بأنّ الأربعة لذاتها علّة لزوجيتها.
فالحاصل : أنّ القائل بأنّ المحرك هو المتحرك لا يعني أنّه من حيث هو متحرك علّة لحركة نفسه ، بل يعني به : أنّ الشيء الذي عرضت له المتحركية هو الذي عرضت له المحركية بعينه.
وعلى السابع : بالمنع من توقّف حركة الجسم على حركة جزئه ، لأنّ الجسم إنّما يكون له جزء بعد القسمة ، وقبلها لا جزء له ، وإذا لم يكن موجودا كيف
__________________
(١) في المباحث : «معين».
(٢) وفي المباحث : «قد سبق في باب العلّة الفاعلية فساد هذا القول».