فيصحّ الكلام فيه. (١) لكن هذا الفرق قد عرفت ضعفه.
ويلزمهم أيضا أن لا يكون شيء من المواد مستمرا على مقدار معين لعدم استحقاقها لذلك القدر ، لكن كثير من الأجسام تبقى مقاديرها دائما وأكثريا. على أنّ ذلك كلّه مبني على كون المقدار عرضا وهو ممنوع. وعلى نفي الجزء ، إذ لو ثبت لاستحال أن ينتقص مقدار عمّا كان عليه إلّا بواسطة زوال شيء عنه ، ولا يزيد إلّا بواسطة انضمام غيره ، فلا يتحقّق التخلخل والتكاثف.
وقد اعتذر عن صيرورة العناصر في قدر الذرة وبالعكس بأنّ لكلّ جسم حيزا معيّنا من المقدار يكون طبيعيا له والزائد عليه أو الناقص يكون قسريا ، ولذلك القسر أيضا حدّ محدود لا يمكن التجاوز عنه وذلك كما في الكيفيات ، فاندفع ما قالوه.
وكان ثابت بن قرّة ينكر هذه الحركة. واحتجّ عليه (٢) بأنّه لو قبلت المادة أيّ مقدار كان أمكن أن يقبل عنصر مقدار ذراع من الماء خمسة أذرع عند انقلابه هواء ، أو عنصر مقدار ذراعين من الماء مقدار ثلاثة أذرع حتى يكون عنصر المقدار الأعظم من الماء قد قبل في الهواء مقدار الأصغر وعنصر الماء الأصغر قبل عند صيرورته مقدارا أعظم. والحس يكذبه ، فانّا لو أخذنا مقدارين متساويين من الماء فقلبناهما هواء استويا في المقدار ، ولو كانا مختلفين في المقدار كان الهواءان أيضا مختلفين.
وجوابه ما تقدّم من أنّ لكلّ مادة حظا من المقدار تستحقه بطبعها (٣) وحظا آخر تستحقه عند وجود القاسر ، وأنّ لكلّ واحد حدودا معلومة لا يتعدّاها.
__________________
(١) المباحث المشرقية ١ : ٦٩١.
(٢) أنظر الاحتجاج والجواب عنه في شرح المقاصد ٢ : ٤١٨.
(٣) في النسخ : «بطبعه».