وفيه مسائل
المسألة الأولى : في نقل المذاهب في هذا المقام
إنّ القسمة العقلية منحصرة في أقسام أربعة (١) :
القسم الأوّل : أن يكون العالم محدث الذات والصفات (٢) ، وهو مذهب المسلمين وغيرهم من أرباب الملل (٣) وبعض قدماء الحكماء.
__________________
ـ ولا يخفى على القارئ الكريم أنّ العلوم تثبيت بكلّ وضوح أنّ هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا ، فهناك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة ، ولا يمكن أن يحدث العكس بقوّة ذاتية ، بحيث تعود الحرارة فترتد من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارة ، ومعنى ذلك أنّ الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام ، وينضب فيها معين الطاقة ، ويومئذ لن تكون هنالك عمليات كيمياوية أو طبيعية ، ولن يكون هناك أثر للحياة نفسها في هذا الكون.
ولما كانت الحياة لا تزال قائمة ، ولا تزال العمليات الكيمياوية والطبيعية تسير في طريقها ، فإنّنا نستطيع أن نستنتج أنّ هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليّا ، وإلّا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد ، وتوقف كلّ نشاط في الوجود ، وهكذا توصلت العلوم ـ دون قصد ـ إلى أنّ لهذا الكون بداية.
لاحظ كتاب «الله يتجلى في عصر العلم» : ٢٦ ـ ٢٧.
(١) قال الرازي : والوجوه الممكنة فيه لا تزيد على أربعة. وقد شرحها الطوسي في نقد المحصل : ١٨٩ وما يليها.
ولكن الرازي عدّ قسما خامسا في كتابه المطالب العالية ٤ : ٢٧ وقال : «إنّ الخامس : هو التوقف وعدم القطع» ونسب هذا القسم إلى جالينوس. وينقله العلّامة أيضا في نهاية هذه المسألة.
(٢) أي بمادته وصورته. المطالب العالية ٤ : ١٩. وفي شرح المواقف : «بذاتها الجوهرية وصفاتها العرضية» ، ٧: ٢٢٠.
(٣) من النصارى واليهود والمجوس ، كما في المصدرين السابقين.