وأمّا مقولتا «أن ينفعل» ، فنقل الشيخ عمّن تقدّمه قبولهما للحركة. وأبطله بأنّ الشيء إذا انتقل من التبرد إلى التسخن فإمّا أن يكون التبرد باقيا لم يعدم بل انتقل إلى التسخن والتبرد بعد تبرد ، أو لا.
والأوّل باطل ، لأنّ التبرّد توجّه إلى البرد وأخذ من طبيعته والتسخن توجه إلى السخونة وأخذ من طبيعة السخونة ، فيكون الشيء الواحد في الزمان الواحد متوجها إلى البرد وأخذا من طبيعته وإلى السخونة وأخذا من طبيعتها ، والشيء الواحد لا يتوجّه في الوقت الواحد إلى الضدّين معا.
وإن لم يبق التبرد فالتسخن إنّما وجد بعد وقوف التبرد وبينهما سكون لا محالة ، فليس هناك حركة من التبرد إلى التسخن على الاستمرار. (١)
احتجوا (٢) بأنّ الشيء قد ينسلخ عن اتصافه (٣) بالفعل يسيرا يسيرا لا من جهة تنقص قبول الموضوع لتمام ذلك الفعل بل من جهة هيئته ، فذلك إمّا لأنّ القوة تخور (٤) يسيرا يسيرا إن كان الفعل بالطبع ، وإمّا لأنّ العزيمة تنفسخ يسيرا يسيرا إن كان الفعل إراديا ، وإمّا لأنّ الآلة تكلّ يسيرا يسيرا إلى أن بطل الفعل بها. (٥) وكلّ ذلك إنّما هو تبدل الحال أوّلا في القوّة أو العزيمة أو الآلة ، ثمّ يتبعه التبدل في الفاعلية فيكون التبدل في الفاعلية بالتبعية.
والأصل فيه أنّ الفعل والانفعال أمران نسبيان تابعان لمعروضهما في الثبات والتبدل. ومن نفى التأثير والتأثّر بطل هذا التفريع عنده. (٦)
__________________
(١) المصدر نفسه.
(٢) أنظر الاحتجاج في النجاة : ١٣٣.
(٣) في النجاة : «إنصافه» ، وهو خطأ.
(٤) في شرح المقاصد : «فتور القوة».
(٥) في النجاة : «إن كان فعله بهما جميعا».
(٦) مثل الرازي وهو يقول : «وأمّا على مذهبنا فهذا البحث ساقط.» المباحث المشرقية ١ : ٧١٢.