ولا يلزم أن يكون ذلك التقدم بسبب زمان آخر ، لأنّه متى كان التقدم والتأخر في الزمان من لوازم ماهيته لم يحتج إلى زمان آخر. وأمّا سائر الحوادث فلمّا لم تكن معيّتها وتقدمها وتأخرها لماهياتها لزم أن تكون بسبب آخر مغاير لها.
لا يقال : إذا كان الزمان لذاته متقدما ومتأخرا وكلّ ما كان كذلك فهو من المضاف لزم أن يكون الزمان مجرّد إضافة.
لأنّا نقول : ليس مفهوم الزمان مجرّد التقدّم والتأخّر بل هو مقدار قابل للزيادة والنقصان يقتضي التقدّم والتأخّر لذاته ، فهو لذاته من مقولة الكم وهو مقدار متصل ، لكنّه يقتضي أن يكون معروضا للتقدّم والتأخّر. وفرق بين ما لا وجود له إلّا بمجرّد كونه متقدما ومتأخرا وبين ما له وجود آخر مغاير لذلك إلّا أنّ ذلك الوجود لما هو هو يقتضي هذين الوصفين.
قوله : «يلزم أن يكون الباري تعالى زمانيا» ، فنقول : لمّا بيّنا أنّ الزمان لذاته لا لغيره مع الباري لم تكن معية الباري مع الزمان محتاجة إلى زمان آخر ، لأنّ المعيّة إنّما تثبت من الجانبين فإذا استغنى بأحد الجانبين عن زمان آخر محيط بها فذلك الجانب الآخر يكون مستغنيا عنه.
والجواب : قد سبق أنّه ليس معنى التأخر كون المتأخر لم يوجد مع الشيء ، لأنّ اليوم لم يوجد مع الغد وليس متأخرا عنه ، فلو كان التقدّم والتأخّر إنّما يصحّ بالزمان لزم أن يكون أمس في زمان واليوم في زمان حتى يحكم بينهما بالتقدم والتأخر ، وكذا الباري تعالى والزمان ، وإذا جازت المعية بالذات فليجز في شيئين تصاحبا أن يتصاحبا بالذات. ثمّ يلزمهم الاشكال الذي لا محيص لهم عنه وهو : كون الزمان منقسما بالفعل إلى أجزاء غير متناهية ، لأنّ الاختلاف في التقدم والتأخر يقتضي الاختلاف الذاتي ، وكون الساعة هي الساعة ككون زيد هو زيد ، ونحن لم نثبت التسلسل إلّا باعتبار ما أوجبتم في التقدم من المقارنة الزمانية.