وفي الأخير قال : وفي التوراة في المبدأ الأوّل : جوهر خلقه الله تعالى ثمّ نظر إليه نظر الهيبة فذابت أجزاؤه ، فصارت ماء ، ثمّ ارتفع منه بخار كالدخان فخلق منه السماوات ، وظهر على وجه الماء زبد فخلق منه الأرض ، ثمّ أرساها بالجبال.
قال : وكأنّ تاليس الملطي إنّما تلقّى مذهبه من هذه المشكاة النبويّة.
قال : والماء على القول الثاني ، شديد الشبه بالماء الذي عليه العرش في قوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) (١).
وأمّا انكسيمانس الملطي (٢) ، فانّه زعم أنّ ذلك الجسم هو الهواء ، والنار تكوّنت من لطافته ، والماء والأرض من كثافته.
ونقل عنه صاحب الملل : أنّ أوّل الأوائل من المبدعات هو الهواء ، وهذا أيضا مأخوذ من مشكاة النبوّة (٣).
وقال آخرون : إنّه الأرض وتكونت الأشياء عنها بالتلطيف.
وقال آخرون : إنّه البخار ، وتكون الهواء والنار عنه بالتلطيف ، والماء والأرض بالتكثيف.
وذهب ايرقليطيس (٤) : أنّه النار ، وكوّن الأشياء عنها بالتكاثف.
__________________
(١) سورة هود ، الآية ٧.
(٢)Anaximenes) نحو ٥٨٨ ـ ٥٢٤ ق. م) : من الملطيين المعروف بالحكمة المذكور بالخير عندهم. وهو ثالث وآخر فلاسفة مدرسة ملطية بدأها طاليس وواصلها تلميذه انكسمندر واختتمها انكسيمانس. ردّ العالم إلى مادة أولى هي الهواء ، لأنّه بدونه تموت الاحياء. الملل والنحل ٢ : ٣٧٧ ؛ الفهرست ٣٤٦ ؛ الموسوعة الفلسفية: ٧٢.
(٣) الشهرستاني ، الملل والنحل ٢ : ٣٧١ ـ ٣٧٣ و ٣٧٨ بتصرف في بعض العبارات وحذف بعضها.
(٤) إيرقليطس ، أو هرقليطس (نحو ٥٤٠ أو ٥٣٥ ق. م ـ ٤٧٥ ق. م) : ولد في أفسوس من أعمال آسيا الصغرى من أسرة نبيلة لها منزلتها العالية بين أهل المدينة. وقد ألف كتابا في علم الطبيعة. قصة الفلسفة اليونانية : ٥٦ ؛ ترجمة مشاهير قدماء الفلاسفة : ٦٤.