جعل معه الهة اخرى أصحيح هذا منهم أم لا؟ ـ فقال : ما أخذ الله من ولد لانّ الولد ما يكون مماثلا للوالد في الذّات ولوازمها فلو كان لله ولد لكان مثله آلها ولو كان مثله آلها آخر لزمه ما لزم كون الآلهة معه ولذلك لم يأت ببرهان بطلانه واكتفى ببرهان تعدّد الآلهة (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ) إذا ظرف لمحذوف والتّقدير لو كان معه آله إذا لذهب (كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) يعنى لو كان الإله اثنين لا يخلو امّا ان يكونا قادرين قويّين أو عاجزين ضعيفين ، أو يكون أحدهما قادرا قويّا والآخر عاجزا ضعيفا ، فان كان أحدهما قويّا والآخر عاجزا يكون الإله واحدا ، وان كانا ضعيفين لم يكن شيء منهما آلها للضّعف الظّاهر فيهما ، وان كانا قويّين قديرين لزم ان يكون كلّ منهما قادرا عاجزا غالبا مغلوبا ، وهو محال ، وذلك لانّ اقتضاء الآلهة القدرة التّامّة واقتضاء القدرة التّامّة ان يكون كلّ ما سواه مقدورا له فلو فرض الإله اثنين لزم ان يكون كلّ واحد منهما قادرا لفرض الآلهة فيه مقدورا لغيره لفرض الآلهة غيره ، فهذه الحجّة من الله تعالى برهان تامّ لو انضمّ اليه بعض المقدّمات المذكورة المعلومة من عنوان الآلهة ويكون معنى قوله لعلا بعضهم على بعض لعلا كلّ بعض منهم على كلّ بعض بجعل اضافة البعض للاستغراق (سُبْحانَ اللهِ) بمنزلة النّتيجة للسّابق (عَمَّا يَصِفُونَ) من الولد والشّريك (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
اعلم ، انّ العلم كما مضى في اوّل الكتاب وفي سورة البقرة قد يكون بحضور ذات المعلوم عند العالم ويسمّى علما حضوريّا وهذا علم حقيقة ولا يكون هذا العلم الّا بإحاطة العالم على المعلوم وصيرورة المعلوم من شؤن العالم واظلاله ، وقد يكون بحصول صورة من المعلوم عند العالم تكون تلك الصّورة هي المعلومة حقيقة والمعلوم يكون معلوما بالعرض لا بالذّات ، وان كان مقصودا بالذّات ، وهذا العلم يسمّى بالظّنّ لانفكاك معلومه عنه وجواز عدم مطابقته له ، وعلم الباري تعالى شأنه بالأشياء من القسم الاوّل لانّ صفحة الأعيان بالنّسبة اليه تعالى كصفحة الأذهان بالنّسبة إلينا ، ونسبة جميع الموجودات اليه تعالى كنسبة الصّور الذّهنيّة إلينا ، فكما انّ الصّور الذّهنيّة محاطة لنا ومنوطة بإرادتنا والتفاتنا إذا أردنا بقاءها كانت باقية وإذا أردنا فناءها صارت فانية ، كذا الموجودات المعلومات له تعالى بالنّسبة اليه والمراد بالغيب والشّهادة عالم الغيب الغائب عن المدارك الحيوانيّة وعالم الشّهادة المدرك بها ، ولمّا كانت الموجودات بحكم العقل محصورة فيهما فقوله عالم الغيب والشّهادة بمنزلة عالم جميع الموجودات ، ولمّا كان علمه بجملة الموجودات بنحو الاحاطة والتّسلّط على الإبقاء والافناء كان قوله (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) بمنزلة محيط بجملة الموجودات قاهر على الكلّ ولذلك أتى بقوله (فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) بنحو التّفريع وأتى هاهنا بفاء التّفريع دون قوله (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) مع انّ كلّا منهما تفريع ونتيجة لسابقه ، لانّ في قوله سبحان الله معنى التّعجّب فانّه قلّما يستعمل خاليا من التّعجّب والمناسب لانشاء التّعجّب القطع عن السّابق بخلاف تعالى عمّا يشركون فانّه خال عن التّعجّب واخبار بنتيجة السّابق (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي) ان ترني (ما يُوعَدُونَ رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر لذمّ آخر والجملة تهديد لهم بترقّب نزول العذاب عليهم (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ادْفَعْ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قال : فما افعل بهم؟ ـ قال : ادفع «ب» الخصلة (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أو بالحسنة الّتى هي أحسن أو بالدّفعة الّتى هي أحسن (السَّيِّئَةَ) اى سيّئة نفسك أو سيّئة غيرك والخطاب لمحمّد (ص) لكن أمّته مقصودة بالخطاب وهذا تأديب حسن له ولامّته.