من قوله فأولئك يدخلون الجنّة أو من قوله وعد الرّحمن عباده (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) حال أو مستأنف (إِلَّا سَلاماً) استثناء من اللّغو مبالغة في عدم اللّغو فيها يعنى لغو الجنّات هو السّلام من قبيل قول الشّاعر :
ولا عيب فيهم غير انّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
أو الاستثناء منقطع (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ) اللّائق بحالهم ومقامهم (فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا).
بيان لتعدّد الأفلاك والشّموس والأقمار
اعلم ، انّ الشّمس الحقيقيّة الّتى هي حقيقة شمس عالم الطّبع تنزّلت عن مقام غيبها بفعل الباري تعالى ، ثمّ تنزّلت وظهرت بالعقول بمراتبها ، ثمّ ظهرت بالنّفوس بمراتبها ، ثمّ ظهرت في عالم الطّبع بصورة هذه الشّمس المحسوسة ، وكما انّ هذه الشّمس المحسوسة حركتها في عالمها دوريّة ، وعالمها كرويّة ، وبكرويّة عالمها ودوريّة حركتها يظهر البكرة والعشىّ كذلك الشّمس الحقيقيّة حركتها في كلّ من عوالمها الّتى حدّدوها تارة بسبعين الف عالم ، وتارة بألف الف عالم دوريّة ، وكلّ من عوالمها كرويّة لكنّ كرويّة معنويّة لا محسوسة فانّ كلّا مشتمل على قوسي النّزول والصّعود ، وبعد وصول النّور الحقيقىّ الى أواسط قوس النّزول يختفى وتدريجا الى أواسط قوس الصّعود وحينئذ يظهر تدريجا وحين شروعه في الاختفاء يكون العشىّ بحسب ذلك العالم وحين الشّروع في الظّهور يكون البكرة بحسبه ، ولا اختصاص للبكرة والعشىّ بعالم الطّبع ولا بجنّات الدّنيا كما قيل ، وقد ورد في الاخبار الاشعار بتعدّد الأفلاك والشّموس والأقمار كما ورد انّ وراء عين شمسكم هذه تسعا وثلاثين عين شمس ، ووراء قمركم هذا تسعة وثلاثين قمرا ، وقيل بالفارسيّة :
آسمانهاست در ولايت جان |
|
كارفرماى آسمان جهان |
(تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا).
اعلم ، انّ الإنسان الكامل ذو نشأت وفي كلّ نشأة له اموال وأقرباء وكما انّ صحّة النّسب الجسمانيّة مبتنية على ما اسّسه الشّارعون في كلّ شريعة وملّة لتصحيحها كذلك النّسبة الرّوحانيّة مبتنية صحّتها على ما اسّسوه من عقد الايمان ، وكما انّ النّسبة الجسمانيّة إذا لم تكن مبتنية على ما اسّسوه لم تكن مؤثّرة في ترتّب آثار النّسبة من الميراث وغيرها كذلك النّسب الرّوحانيّة إذا لم تكن مبتنية على ما اسّسوه لم تكن مؤثّرة ، وكما انّ المنتسب بالنّسبة الجسمانيّة إذا لم يكن له ما يصحّح نسبته كان لغيّة كذلك المنتسب بالنّسبة الرّوحانيّة إذا لم يكن له ما يصحّح نسبته كان منتحلا ، وقد مضى تحقيق تامّ للنّسبة الجسمانيّة والرّوحانيّة والفرق بينهما وشرافة النّسبة الرّوحانيّة بالنّسبة الى الجسمانيّة في سورة البقرة عند قوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، وكما انّ الإنسان ما دام يكون في عالم الطّبع كان له اموال وإذا انصرف من هذا العالم كان الاحقّ بأمواله قراباته بحقّ النّسبة الجسمانيّة كذلك المتخلّف عن الكامل في العوالم الرّوحانيّة كان الاحقّ به قراباته الرّوحانية ، وكما انّ المتخلّف عن مرتبته الجسمانيّة لا حقّ لقراباته الرّوحانيّة فيه كذلك المتخلّف عن مرتبته الرّوحانيّة لا حقّ لقراباته الجسمانيّة فيه فان كلّ خلّة وكلّ نسبة منقطعة يوم القيامة الّا الخلّة والنّسبة في الله ، ولمّا كان أصل الكاملين وابو الآباء الرّوحانيّة علىّ بن ابى طالب (ع) وكان منصرفا عن جميع العوالم ومتمكّنا في مقام المشيّة الّتى هي فوق الإمكان كان جميع عوالم الإمكان متخلّفة عنه وميراثا لأولاده المنتسبين اليه بالنّسبة الصّحيحة بقدر مراتبهم في النّسبة ، وان كانوا في الدّنيا مغصوبا منهم أمواله كما قال تعالى : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالايمان الخاصّ وعقد الايمان مع علىّ (ع) مغصوبا عليها في الدّنيا خالصة يوم القيامة وهذا معنى ايراث الفردوس ، وامّا ايراث منازل أهل النّار للمؤمنين فهو عبارة عن ايراث ما كان أهل النّار يستحقّونه لو لم يقطعوا نسبتهم الى علىّ (ع) فانّ كلّ الموجودات لها نسبة فطريّة الى علىّ (ع) وقد يقطع الإنسان نسبته الفطريّة