نَذِيرٌ مُبِينٌ) وليس شأنى طرد أحد أو مراقبة عمل انّما الطّرد والمراقبة على شأن الولاية (قالُوا) بعد ما رأوا انّه يحمى اتباعه ولا يطردهم من اتّباعه (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) هدّدوه بالقتل بأسوء أنواعه لمّا عجزوا عن المحاجّة معه كما هو ديدن كلّ غالب عاجز عن المحاجّة (قالَ) بعد ما داراهم مدّة الف سنة الّا خمسين عاما أو اقلّ من ذلك بيسير سائلا من الله شاكيا عليه (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ) فاقض أو فاحكم (بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يعنى منهم أو من العذاب المسؤل لهم (فَأَنْجَيْناهُ) الإتيان بالفاء عقيب الدّعاء للاشعار بأنّ العذاب كان عقيب الدّعاء بلا مهلة ليكون أبلغ في مقام التّهديد والّا كان بين دعائه ووعد الاجابة له وبين إغراقهم مدّة مديدة (وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) بالنّاس وسائر الدّوابّ (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) أتى بثمّ هاهنا وكان حقّه الإتيان بالفاء للتّفاوت بين الاخبارين (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) الرّيع بالكسر والفتح المرتفع من الأرض أو كلّ فجّ أو كلّ طريق أو الطّريق المنفرج في الجبل والجبل المرتفع وبرج الحمام الّذى يبنى لان تأوى اليه (آيَةً) علامة (تَعْبَثُونَ) بذلك والمراد به القصور المرتفعة ، أو القلاع المبنيّة على الجبال والمرتفعة من الأراضي ، أو العلائم المبنيّة للمارّة من غير حاجتهم اليه ، أو الابنية الّتى تبنى على الطّريق للاشراف على المارّة والسّخريّة بهم ، أو كانوا يبنون ابنية للاجتماع واللّعب فيها (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) جمع المصنعة أو المصنع بمعنى الحياض تصنع للماء ، أو المضائف الّتى يدعى إليها للضّيافة ، أو القرى الّتى تصنع للزّراعة والانتفاع ، أو المبانى من القصور والحصون (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) يعنى راجين للخلود ولذلك تحكمون بنيانها (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) لا مؤدّبين يعنى انّكم جمعتم بين الإفراط في القوّة الشّهويّة والإفراط في القوّة الغضبيّة (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) مضى وجه تكرار هذه (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) اى تعلمونه أو تعلمون انّه ليس الّا بامداد الله ، كرّر اتّقوا مقدّمة للتّنبيه على بعض النّعم الّذى يعرفون انّه من الله حتّى يقبلوا ويطلبوا منه الزّيادة ويخافوا زواله ولا يخالفوه (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) عدّ عليهم من أنواع نعمه ما يعدّه العرب أشرف النّعم وأحسنها (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) كأنّه قال أمرتكم بالتّقوى لانّى أخاف عليكم زوال تلك النّعم بمخالفتكم وأخاف أعظم منه وهو عذاب يوم عظيم (قالُوا) في جوابه إظهارا لعدم الاعتداد به (سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) لم يقل أم لم تعظ ليكون أبلغ في عدم الاعتداد بوعظه (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) قرئ خلق بالفتح والسّكون بمعنى الافتراء أو الفطرة والطّبع ، وقرئ بالضّمّتين بمعنى السّجيّة والطّبع والمعنى ما هذا الّذى تدّعيه الّا كذب الاوّلين الّذين ادّعوا النّبوّة مثلك ، أو ما هذا الّذى نحن عليه من سجيّة الحيوة والتّعيّش ايّاما ثمّ الموت الّا فطرة الاوّلين يعنى انّ الزّمان كان من القديم على الأحياء والاماتة ، أو ما هذا الّذى أنت تدّعيه الّا عادة الاوّلين من الأنبياء (ع) أو من المدّعين للنّبوّة ، أو ما هذا الّذى نحن عليه من الدّين الّا عادة الاوّلين ونحن بهم مقتدون (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) لانّه لا بعث ولا حساب ولا عقاب ، أو لانّا نكون على