ابو لهب فقال : هذا ما سحركم به الرّجل فسكت (ص) يومئذ ولم يتكلّم بشيء ثمّ دعاهم من الغد على مثل ذلك الطّعام ثمّ انذرهم فقال : يا بنى عبد المطّلب انّى انا النّذير إليكم من الله عزوجل والبشير فأسلموا وأطيعونى تهتدوا ثمّ قال (ص) : من يؤاخيني ويوازرني ويكون ولييّ ووصيّي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضى ديني؟ فسكت القوم فأعادها ثلاثا ، كلّ ذلك يسكت القوم ويقول علىّ (ع) : انا ، فقال (ص) في المرّة الثّالثة : أنت ، فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد امّر عليك ، وفي رواية العامّة : ايّكم يقوم ويبايعني؟ وأعاد لهم الكلام ثلاث مرّات وسكت القوم ثمّ قال : ليقومنّ قائمكم أو ليكوننّ في غيركم ثمّ لتندمنّ فقام علىّ (ع) فبايعه وأجابه ، ثمّ قال : ادن منّى فدنا منه ففتح فاه ومجّ في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه ، فقال ابو لهب : فبئس ما حبوت به ابن عمّك ان أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا ، فقال (ص) : ملأته حكمة وعلما ، وعن طريق العامّة والخاصّة : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ورهطك منهم المخلصين عن الرّضا : وانذر عشيرتك الأقربين ورهطك المخلصين قال هكذا في قراءة ابىّ بن كعب وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود قال هذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله عزوجل بذلك الآل فذكره لرسول الله (ص) ، ويجوز ان يكون المراد بالعشيرة الأقربين الّذين كانوا بحسب مرتبتهم الرّوحانيّة عشيرته وأقرب منه ، ويكون المعنى انذر بحسب مقامك العالي عشيرتك الأقربين وتنزّل عن مقامك العالي الى مقام التّابعين (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) خفض الجناح استعارة للتّذلّل والتّواضع من جهة المحبّة من خفض جناح الطّيور لأزواجها يعنى تنزّل وتواضع عن مقامك العالي (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فانّهم لا يقدرون على سماع كلامك بحسب مقامك العالي وانذرهم بلسان ومقام يناسب مقام المؤمنين التّابعين (فَإِنْ عَصَوْكَ) اى عشيرتك أو اتباعك المؤمنون فانّهم بحسب حدود مقامهم وتعيّناتهم النّازلة يعصونك (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ولا تقل انّى بريء منكم فانّهم ان كانوا اتباعك كانت براءتك منهم براءة من اللّطيفة الالهيّة ، كما مضى مكرّرا انّ الأسماء والأحكام أسماء وجارية على الفعليّة الاخيرة من الأشياء فخطاب اتباعك والبراءة منهم يكون خطابا وبراءة من الفعليّة الاخيرة الّتى هي فعليّة الرّسالة أو فعليّة الولاية ، وفعليّة الرّسالة والولاية ليست الّا الهيّة ، وان لم يكونوا اتباعك ولم يكونوا مرتدّين عن الفطرة بابطال الفطرة الانسانيّة كان فعليّتهم الاخيرة فعليّة الانسانيّة ، وان كانت محتجبة تحت غيرها من الفعليّات الاخر وكانت البراءة منهم براءة من الانسانيّة الّتى هي أيضا لطيفة الهيّة ، نعم ان قطع الفطرة صحّ ان يقال : انّى بريء منك كما حكى الله تعالى عن إبراهيم (ع) بقوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) يعنى تنزّل عن مقامك العالي وشاركهم في مقامهم النّازل فان خالفوك في التّقيّد بحدود مقامهم فأظهر نزاهة ذاتك عن تلك الحدود وقل لهم انّى بحسب مقامي العالي منزّه عن حدود تلك المقامات وتعيّناتها وان شاركتكم في بعض لوازمها لئلّا تستوحشوا منّى حتّى لا يتوهّموا انّك تكون مثلهم (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ) الّذى لا يقع في ملكه الّا ما يشاؤه يعنى اخرج من رؤية الأفعال من الفاعلين وانظر في جملة الأفعال الى الفاعل الحقّ حتّى تشاهد انّ العامل هو يد الله فتكل أمرك وأمرهم اليه ولا تحزن على عصيانهم (الرَّحِيمِ) الّذى لا يشاء لعباده الّا ما هو صلاحهم ولا يشاء لاعدائه الّا ما هو صلاح عباده المؤمنين أو صلاح نظام العالم فلا تحزن على ما فيه صلاح عامله أو صلاح المؤمنين أو صلاح نظام الكلّ (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) للصّلوة وحدك كما في الخبر أو تقوم في اللّيل للصّلوة أو تقوم في النّاس ، أو تقوم بقيام جميع مراتبك للحضور عند ربّك أو تقوم بالعروج عن مقام الكثرات والخروج من بينهم (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) وقت الصّلوة بالجماعة أو تقلّبك من قيامك وانحنائك في المنحنين المنكوسين في الكثرات المبتلين بها ، أو تقلّبك في الخاضعين