ترى الجبال ببصرك البشرىّ أو كان الكلام على ايّاك اعنى واسمعي يا جارة (تَحْسَبُها جامِدَةً) اى واقفة ساكنة في أمكنتهما فانّ الجمود قد يستعمل في الوقوف عن الحركة كما يستعمل مقابل السّيلان (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) اى تسير نحو سير السّحاب في سرعة الحركة وقطع المسافة ، وهذا يجوز ان يكون اشارة الى تجدّد الأمثال بنحو الاتّصال ويكون الانعدام والانوجاد بنحو الاتّصال غير محسوس بالانظار كما انّ الدّائرة المحسوسة الحاصلة من الحركة التّوسّطيّة الّتى تكون للشّعلة الجوّالة غير موجودة في نفس الأمر ولكن بواسطة اتّصال الانعدامات والانوجادات ترى بالأبصار دائرة ، وعليه العرفاء الكاملون وبتلك الآية يستشهدون ، ويجوز ان يكون اشارة الى حركة الأرض دون الشّمس ، وعليه الطّبيعيّون من الافرنج وعليه بناء هيئتهم الجديدة ، وان يكون اشارة الى انحلال الأبدان واغتذائها ببدل ما يتحلّل منها ، وان يكون اشارة الى تبدّل انانيّة النّفس بانانيّة الله وانانيّة العقل أو تبدّل انانيّة العقل بانانيّة الشّيطان ، وان يكون اشارة الى سير النّفوس الكاملة فانّ سيرهم يكون كلّ آن الى عرش ربّهم ، واليه أشار المولوىّ قدسسره :
سير زاهد هر مهى تا پيشگاه |
|
سير عارف هر دمي تا تخت شاه |
وان يكون اشارة الى القيامة ووقت ان يكون الجبال كالعهن المنفوش فانّها حينئذ تكون في الحركة السّريعة لا يدرك بالأبصار حركتها لبعد أطرافها وعدم احاطة النّظر بأطرافها لكن قوله تعالى (صُنْعَ اللهِ) في مقام مدحه يدلّ على المعاني السّابقة (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) بحيث لا يدرك ما فيه من الأوصاف ويدرك على خلاف ما له من الأوصاف (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) تعليل لقوله : ترى الجبال تحسبها جامدة ، باعتبار لازم الحكم الّذى هو العلم برؤيتها وحسبانها كذلك أو هو بمنزلة النّتيجة لقوله : اتقن كلّ شيء فانّه إذا اتقن كلّ شيء أتقن كلّ نفس وتعلّقها ببدنها وتصرّفها في حركاتها وسكناتها فهو خبير بما تفعلون من الخير والشّرّ وهو وعد ووعيد ولذلك عقّبه بقوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) الى العشرة الى ما شاء الله ، أو له خير ناش من تلك الحسنة (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) والمراد بالحسنة الجنس أو الحسنة المعهودة الّتى هي ولاية علىّ (ع) الحاصلة للإنسان بالبيعة الخاصّة الولويّة وبالتّوبة والتّلقين فانّه إذا لم يبايع الإنسان مع ولىّ امره لم يحصل له لبّ كما إذا لم يؤبّر النّخلة لم يحصل لها ثمر ، وإذا حصل له لبّ بالولاية ولم يستر فعليّته الحاصلة بالولاية بأغشية الأهوية والآمال يكون آمنا من جميع ما يفزع غيره يوم القيامة وهذا هو المراد بقرينة قرينة الّذى هو قوله تعالى (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) فانّه إذا أريد بالسّيّئة الجنس لزم ان يكبّ صاحبها في النّار وليس كذلك وأذا أريد بالسّيّئة محبّة أعداء أهل البيت وولايتهم صحّ ان يقال (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) مقولا لهم (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقد فسّر الحسنة والسّيّئة في اخبار عديدة بولاية أهل البيت (ع) وبغضهم قل لهم (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) يعنى مكّة فانّها شريفة عندكم وربّها يستحقّ العبادة (الَّذِي حَرَّمَها) جعلها حراما هتكها (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) تعميم بعد تخصيص (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) المنقادين (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) عليكم وأدعوكم بتلاوته ولا أبالي بردّكم وقبولكم (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) لا لي (وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) لا من الهادين حتّى احزن على ضلالكم (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ما أنعم علىّ وعلى ما أمرت ولم يكلّفنى ما لم اطقه من دعوة القوم وهدايتهم ، أو على جعله الولاية آيته العظمى (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) عند مشاهدتها حال الاحتضار أو في القيامة وخصوصا الآيات العظمى (فَتَعْرِفُونَها) من حيث كونها آيات