انّى كنت قدّامه فقال : كوني في خلفي ودلّينى على الطّريق بالحصاة فانا من قوم لا ينظرون في اعجاز النّساء ، فمن هذا عرفت أمانته ، فلمّا قالت ذلك زاده ذلك رغبة فيه و (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) يعنى لا اجعل السّنتين جزء الصّداق بل اجعلهما تفضّلا منك ، قيل : لم يجعل ذلك مهرا بل انكحها على مهر وجعل ذلك شرطا ، وقيل : بل جعل ذلك مهرا ، وما في أخبارنا يدلّ على انّه جعل ذلك مهرا ، فعن الصّادق (ع) انّ عليّا قال : لا يحلّ النّكاح اليوم في الإسلام بإجارة بان يقول : اعمل عندك كذا وكذا سنة على ان تزوّجنى أختك أو ابنتك قال : هو حرام لانّه ثمن رقبتها وهي احقّ بمهرها ، وبهذا المعنى اخبار أخر كثيرة ، وورد في أخبارنا انّ المنكوحة كانت صغراهما وهي الّتى قالت انّ ابى يدعوك وقالت : يا أبت استاجره وانّ موسى (ع) قضى اوفى الأجلين (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) في حديث قال موسى (ع) لشعيب (ع) بعد ما رعى له عشر سنين : لا بدّ لي ان ارجع الى وطني وأمّي وأهل بيتي فما لي عندك؟ ـ فقال شعيب (ع) : ما وضعت اغنامى في هذه السّنة من غنم بلق فهو لك فعمد موسى (ع) عند ما أراد ان يرسل الفحل على الغنم الى عصاه فقشر منها بعضها وترك بعضها وغزّزها في وسط مربض الغنم والقى عليها كساء أبلق ثمّ أرسل الفحل على الغنم فلم تضع الغنم في تلك السّنة الّا بلقا فلمّا حال عليه الحول حمل موسى (ع) امرأته وزوّده شعيب (ع) من عنده وساق غنمه فلمّا أراد الخروج قال لشعيب (ع) : أبغي عصا تكون معى وكانت عصىّ الأنبياء (ع) عنده قد ورثها مجموعة في بيت فقال له شعيب (ع) : ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصىّ فدخل فوثبت اليه عصا نوح وإبراهيم (ع) وصارت في كفّه فأخرجها ونظر إليها شعيب (ع) فقال : ردّها وخذ غيرها ، فردّها ليأخذ غيرها فوثبت اليه تلك بعينها ، فردّها حتّى فعل ذلك ثلاث مرّات ، فلمّا رأى شعيب (ع) ذلك قال له : اذهب فقد خصّك الله عزوجل بها فساق غنمه فخرج يريد مصر فلمّا صار في مفازة ومعه اهله أصابهم برد شديد وريح وظلمة وجنّهم اللّيل ، فنظر موسى (ع) الى نار قد ظهرت كما قال الله تعالى فلمّا قضى موسى الأجل (الآية) (وَسارَ بِأَهْلِهِ) وجنّهم اللّيل وتفرّقت ماشيته وأصابهم برد شديد وريح وابتليت زوجته بالطّلق كما قيل (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً).
اعلم ، انّ الله إذا أراد بعبد خيرا ابتلاه اوّلا بشدائد سدّت جهات حيله وقطعت طرق رجاء خياله من غير الله حتّى اضطرّ الى التّوجّه الى الله وسأله بلسان حاله أو قاله فيجيبه تعالى على حسب استعداده واستحقاقه ، لانّه يجيب المضطرّ إذا دعا بحاله أو قاله ، كما أراد مقام الرّسالة لموسى (ع) فابتلاه بظلمة اللّيل والسّحاب وبالثّلج والبرد وتفرّق الماشية ووضع حمل الأهل وعدم ظهور النّار من زناده حتّى انقطع جهات حيل خياله وطرق رجائه فاضطرّ الى التّوجّه الى جهة غيبه ، فانّ موسى (ع) لمّا اضطرّ الى التّوجّه الى جهة غيبه ظهر له من جانب طور النّفس الّذى هو البقعة المباركة والجانب الأيمن من النّفس نور بصورة النّار الظّاهرة من الشّجرة وقد ظهرت تلك النّار وتلك الشّجرة في جبل كان يسمّى بالطّور أو سمّى بعد ذلك بالطّور ، وقد مضى الاختلاف في محلّ ذلك الجبل فلمّا آنس من جانب الطّور نارا توجّه اليه واطمئنّ من استيحاشه ولمّا اطمئنّ من استيحاشه (قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً) تسلية لها وتسكينا لفزعها ووحشتها (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) اى بخبر الطّريق أو خبر النّار وصاحبها أو خبر من نأنس به أو خبر المعمورة (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) في الجذوة ثلاث لغات ، بتثليث الجيم وقرئ بها وهي القطعة المشتعلة من النّار أو الجمرة أو الجذمة الّتى هي قطعة خشب متوقّدة بالنّار بعضها يكون نارا وبعضها خشبا غير مشتعل (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتاها