سورة مريم
مكّيّة بتمامها ، وهي ثمان وتسعون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(كهيعص) قد سبق في اوّل البقرة ما به غنية عن بيان أمثال هذا ، وذكر في خصوص هذا انّه أشار بالكاف الى كربلاء ، وبالهاء الى هلاكة أهل البيت ، وبالياء الى يزيد ، وبالعين الى عطشهم ، وبالصّاد الى صبرهم. ونسب الى أمير المؤمنين (ع) انّه قال في دعائه : اسألك يا كهيعص ، وقرئ بإخفاء نون عين والقياس إظهاره لانّ سكون الحروف المقطّعة في أوائل السّور عرضىّ بعرض الوقف بنيّة الوصل فلا ينبغي اجراء حكم السّكون والوصل عليها (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) قرئ ذكر مصدرا مرفوعا ، وفعلا ماضيا من الثّلاثىّ ، وامرا من التّفعيل ، وعلى الاوّل كان خبرا لما قبله أو لمحذوف أو مبتدء لمحذوف ، أو مبتدء خبره زكريّا ، أو خبره إذ نادى ، ورحمة ربّك ، فاعل المصدر مضاف اليه أو مفعوله ، والفاعل محذوف اى ذكر ربّك رحمة ربّك عبده ، أو الفاعل زكريّا أو رحمة ربّك ، مضاف اليه لأدنى ملابسة والفاعل مثل سابقه والمعنى ذكر ربّك برحمته عبده ، وعبده مفعول الذّكر أو الرّحمة وزكريّا بدل منه أو عطف بيان أو فاعل الذّكر أو مفعوله أو خبر منه ، وكون زكريّا خبرا للذّكر باعتبار انّ الكامل وجوده ذكر للرّبّ ، وزكريّا بالمدّ والقصر وتشديد الياء ، وكذا بتشديد الياء وتخفيفه بدون المدّ والقصر اسم (إِذْ نادى رَبَّهُ) إذ ظرف للذّكر أو للرّحمة أو مفعول للذّكر أو خبر له أو بدل من الرّحمة أو من عبده أو من زكريّا نحو بدل الاشتمال (نِداءً خَفِيًّا) لضعف الشّيخوخة أو لانّه كان أقرب الى الإخلاص أو لخوف اطّلاع الموالي على طلبه للولد ومعاندتهم له بذلك أو لخوف اطّلاع الخلق على طلبه للولد وقت اليأس عن الولد وملامتهم له على ذلك (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) إظهار لعجزه ومسكنته مقدّمة للدّعاء ، أو إظهار ليأسه عن الولد واتّكاله في دعائه على محض فضله من دون مدخليّة الأسباب الطّبيعيّة (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ) في الإرث الصّورىّ من التّضييع والنّزاع والخلاف ، أو في الإرث المعنوىّ من الاختلاف وتضييع العباد ، وهذا اشعار بانّ دعاءه خال من مداخلة الهوى مقدّمة للاجابة ، وقرئ خفت بضمّ التّاء من الخوف وخفت الموالي بكسر التّاء وتشديد الفاء من الخفّة يعنى خفّت الموالي (مِنْ وَرائِي) ولم يكن لهم حلم يمكنهم به تحمّل متاعب