مقدّر كأنّه قيل : هل يقع لقاء الله (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) جملة حاليّة أو معطوفة لاستدراك توهّم نشأ من ترغيبه تعالى في العمل وتخويفه من المعصية فانّه يتوهّم منه انّ الله ينتفع بالطّاعة ويستضرّ بالمعصية (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) لا ينتفع بطاعتهم ولا يستضرّ بمعصيتهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) عطف على من جاهد (الآية) نحو عطف التّفصيل على الإجمال ورفع لتوهّم نشأ من قوله : فانّما يجاهد لنفسه كأنّ متوهّما توهّم انّ المجاهد ينتفع بمجاهدته من دون التفات من الله وفعل منه بالنّسبة اليه ولم يذكر المقابل لقوله : ومن جاهد فانّما يجاهد لنفسه فانّ الموافق للمقابلة والمقصود ان يقال : ومن تقاعد فانّما يتقاعد على نفسه ولم يذكر المقابل هاهنا أيضا فانّ المنظور بحسب اقتضاء المقام ان يقول : والذين كفروا وعملوا السيئات لنجزينهم جهنم لعدم الاعتناء بهم وبذكرهم ولانّ حكمهم يعلم بالمقايسة والمقابلة ولاكتفائه عن ذكرهم في مقابل المؤمنين بقوله : ومن النّاس من يقول (الآية) وبقوله : وقال الّذين كفروا (الآية) كأنّه اجلّ شأن المؤمنين من ان يذكر المنافقين والكفّار في مقابلهم ومقارنين لهم (لَنُكَفِّرَنَ) اى لنزيلنّ (عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) كلّها (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) قد مضى تحقيق هذه الآية في أواخر سورة التّوبة وفي غيرها (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) قد مضى في سورة البقرة وفي سورة النّساء بيان للوالدين وتعميم لهما وبيان للإحسان إليهما ، ولمّا كان الاهتمام بتعظيم الوالدين ولا سيّما الرّوحانيّين بعد تعظيم الله وتوحيده أكثر من سائر الطّاعات بل لا يصدق الطّاعة على عمل لم يكن فيه تعظيم الوالدين الرّوحانيّين بعد تعظيم الله كرّر الله تعالى التّوصية بإحسان الوالدين وقرنه بتوحيده ونهى الإشراك به في كثير من مواضع الكتاب ، ولمّا ذكر حال الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ولم يكن يحصل الايمان الّا بالبيعة العامّة النّبويّة أو البيعة الخاصّة الولويّة وبكلّ منهما يحصل الابوّة والبنوّة الرّوحانيّتان ولم يكن في الأعمال الصّالحة عمل أصلح من الإحسان الى الوالدين الرّوحانيّين عطف عليه التّوصية بإحسان الوالدين ، ولمّا كان الوالدان الجسمانيّان بعد الوالدين الرّوحانيّين أعظم حقّا من كلّ ذي حقّ لم يكن في الأعمال الصّالحة أصلح من الإحسان إليهما بعد الإحسان الى الوالدين الرّوحانيّين (وَإِنْ جاهَداكَ) اى الوالدان الرّوحانيّان على ما ورد في الخبر فيكون الضّمير راجعا الى الوالدين الرّوحانيّين السّفليّين بطريق الاستخدام وهما الشّيطان والنّفس واظلالهما ، أو الوالدان الجسمانيّان (لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) ونذكر بعض الاخبار في سورة لقمان في ذيل هذه الآية ان شاء الله تعالى (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في موضع تعليل للسّابق (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) كرّره اهتماما بشأنهم (وَمِنَ النَّاسِ) في موضع والذين قالوا آمنا ولم تؤمن قلوبهم (مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) يعنى إذا أوذي حالكونه في طاعة الله ، أو إذا أوذي في حقّ الله وفي الايمان به بان آذاه إنسان أو اصابه ضرّ في بدنه وماله جعل فتنة النّاس مثل عذاب الله وانصرف عن طاعة الله والايمان به وهذا هو عين النّفاق (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) بالفتح والغنيمة (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) كما هو ديدن طالبي الدّنيا كلّما وجدوا إضرارا بدنياهم انصرفوا وإذا ظنّوا انتفاعا في دنياهم أقبلوا (آمَنَّا) ليس الله يعلم نيّاتهم ولا يعذّبهم عليها (وَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) ليظهر علمه بهم أو ليميّزهم ، كرّر هذا أيضا اهتماما بالتّرغيب والتّرهيب (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) هذا في موضع والّذين كفروا (لِلَّذِينَ آمَنُوا