قد خصّصت بعلم المنايا والبلايا ، فانّ المراد بالمنايا أنواع موتات الإنسان في السّلوك وفي البرازخ ، وأنواع ظهورات السّاعة والقائم عجّل الله فرجه والمراد بالبلايا أنواع الامتحانات للخلاص من حجب ظهور السّاعة والامتحان لظهور السّاعة فرّع العلم بكيفيّة ظهورها ووقت إتيانها وفي أخبارنا : أكاد أخفيها من نفسي ، وقيل : أكاد أخفيها من نفسي هكذا نزلت ، وانّه في قراءة ابىّ كذلك ، وهذه الكلمة تقال عند المبالغة في إخفاء شيء من غير اعتبار وإخفاء من النّفس ، أو المراد بقوله تعالى : من نفسي : من خليفتي ، فانّ خليفته في الأرض بمنزلة نفسه (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) تعليل لقوله : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) ، لانّ ظهور القائم (ع) يوجب إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ، أو تعليل لقوله : أكاد أخفيها لانّ في الإخفاء وعدم الإظهار يحصل الابتلاءات والامتحانات والتّخليصات للسّالكين في الدّنيا وللمسيئين في البرازخ بعد الموت على ان يكون المراد بالسّاعة القيامة الكبرى والقيام عند الامام بعد الخلاص ممّا عليه من شوائب المساوى والابتلاءات جزاء ما فعله العبد باقتضاء نفسه ومشتهياتها ، أو تعليل لكليهما على سبيل التّنازع ، والجزاء امّا بعين ما تسعى بناء على تجسّم الأعمال ، أو بجزاء ما تسعى ، وفي الآية على ما فسّرت أخيرا دلالة على ما قالته الصّوفيّة من انّ السّالك ينبغي ان يكون منتظرا لظهور صاحب الأمر (ع) وان لا يكون منظوره من جملة اعماله الّا ظهور صاحبه ، وفي قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) إيماء الى حصر المقصود من الأعمال في الذّكر باعتبار مفهوم القيد (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) اى عن اقامة الصّلوة لذكرى أو عن الصّلوة لذكرى أو عن السّاعة اى عن ساعة ظهور الامام عجّل الله فرجه (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) في مرجع هذا الضّمير ما في مرجع ضمير عنها (وَاتَّبَعَ هَواهُ) من قبيل عطف العلّة أو المعلول (فَتَرْدى) فانّ في الصّدّ عنها صرفا عنها وفي الصّرف عنها توجّها الى الدّار السّفلى وحركة فيها لانّ النّفس متحرّكة وخارجة بالتّدريج من القوّة الى الفعل ، وإذا انصرفت عن الدّار العليا توجّهت لا محالة الى الدّار السّفلى وتحرّكت في دركاتها وفيها هلاكتها (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) لمّا صار موسى (ع) في غاية الوحشة والدّهشة والاضطراب من خوف ضياع ماله وعياله ورؤية غرائب لم يكن يرى قبل ذلك مثلها من اشتعال نار بيضاء من شجرة خضراء من أصلها الى فرعها لم تكن تضرّ النّار بخضرتها وأهواء النّار اليه كلّما أراد ان يأخذ منها وتكلّم متكلّم من النّار ، سأل تعالى عن احبّ الأشياء اليه حتّى يشتغل به ويأنس من وحشته ويسكن من اضطرابه فانّ الاشتغال يسكّن الاضطراب خصوصا إذا كان في حقّ المحبوب ومع من كان الاضطراب منه ولذا بسط موسى (ع) في الجواب و (قالَ هِيَ عَصايَ) وزاد على قدر الجواب قوله (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) اى اعتمد في المشي أو حين أريد ان أقوم على غنمي (وَأَهُشُّ بِها) اى اخبط الورق من الأشجار (عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) مثل سوق الغنم بها ودفع الذّئب حين تعرضه ، والاستظلال بسببه بان كان يركزها في الشّمس ويعرض الزّندين على شعبتيها ويلقى عليها كساءه ، وتطويل حبل الدّلو بها إذا قصر ، وغير ذلك ، وأجمل المآرب مع انّه كان اقتضاء بسط الجواب ان يبسط المآرب امّا للاستحياء ، أو لعدم مساعدة قلبه على أكثر من ذلك لشدّة اضطرابه ، وأيضا لمّا أراد الله ان يجعل عصاه آية نبوّته وآية انّ الكلام رحمانىّ لا شيطانىّ إذ قيل : انّ موسى (ع) شكّ في انّ الكلام شيطانىّ أو رحمانىّ ، وقيل : انّه (ع) بعد ما سمع انّى انا الله من الشّجرة قال : ما الدّليل على ذلك؟ ـ سئل من عصاه حتّى يتنبّه انّه جماد ميّت ويتذكّر ذلك فلا يشكّ إذا صارت حيّة حيّة في انّه إلهيّ لا شيطانىّ (قالَ) الله تعالى (أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) تتحرّك سريعة ، قيل : لمّا القيها صارت حيّة بغلظ العصى فعظمت وصارت ثعبانا عظيما ، ولذلك سمّاها جانّا تارة ، وثعبانا اخرى ، أو صارت من اوّل الأمر بعظم الثّعبان لكنّها تتحرّك سريعا مثل الجانّ ، ولمّا