حتّى يعلموا انّ في الدّاثرات الّتى منها الحيوة الدّنيا حقّا باقيا ثابتا فلم يغفلوا عنه وطلبوا الوصول اليه وهو جهة الآخرة والجملة معلّق عنها لم يتفكّروا فانّه في معنى لم يعلموا (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) فانّهم وان لم يكونوا يحصل لهم بالتّفكّر علم بدثور سماوات الطّبع وأرضه في العالم الكبير لكن يحصل العلم بدثورهما في العالم الصّغير وانّ لهما أجلا معيّنا بحسب الأسباب الطّبيعيّة من العمر الطّبيعىّ وأجلا معلّقا بحسب القواطع والموانع من الوصول الى اجله الطّبيعىّ (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) ولذلك يعملون الأعمال السّيّئة وإذا تفكّروا انّ اعمال هؤلاء الكثير نشأت من كفرهم بلقاء ربّهم اجتنبوا مثل أعمالهم والجملة عطف على جملة ما خلق الله السّماوات أو معلّق عنها لم يتفكّروا مثل المعطوف عليها (أَ) لم يخرجوا من أوطانهم الصّوريّة ومن بيوت نفوسهم (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) الطّبيعيّة وفي ارض وجودهم وارض القرآن والسّير الحسنة والغير الحسنة (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) والضّمائر الثّلاثة للكثير من النّاس أو لمرجع الضّمير الفاعل لقوله أو لم يتفكّروا (انُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) بحسب البدن والمال والأعوان (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) بتقليب وجهها لاستنباط المياه واستخراج المعادن وللزّراعة وغرس الأشجار وغير ذلك من التّصرّفات والمقصود انّهم أثاروا الأرض أكثر ممّا أثاروها بقرينة قوله تعالى : (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) وأبادهم الله تعالى ولم ينفعهم قوّتهم واثارتهم وعمارتهم فلا ينبغي لكم ان تغترّوا بقوّتكم واثارتكم وتعميركم (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) اى احكام الرّسالة أو المعجزات فاغترّوا بقوّتهم وكذّبوا الرّسل مثلكم فخذلهم الله أو اهلكهم (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بتعريضها لسخط الله (ثُمَّ كانَ) عطف على أو لم يتفكّروا باعتبار المعنى فانّه في معنى لم يتفكّروا أو على أو لم يسيروا باعتبار المعنى كأنّه قيل : لم يسيروا ثمّ كان عاقبتهم ، أو عطف على كانوا أنفسهم يظلمون يعنى كانوا أنفسهم يظلمون ثمّ كان (عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) هذا من قبيل وضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار بسببيّة الاساءة للسّيّئة الّتى هي أكبر الّتى هي تكذيب آيات الله والاستهزاء بها ، أو المقصود تخصيص هذا الوصف بالمسيئين منهم السّوءى لا المسيئين السّيّئة ، أو ليس من قبيل وضع الظّاهر موضع المضمر بل المقصود بيان حكم من أساء السّوءى من غير تعرّض للمذكورين والسّوءى تأنيث الاسوء ، أو مصدر ، ولفظة ثمّ للتّعقيب في الوجود أو للتّعقيب في الاخبار (أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) وأعظمها الأنبياء والأولياء (ع) (وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) والاستهزاء بالآيات أعظم جرما من التّكذيب واعراب الآية انّ السّوءى خبر كان أو اسمها على اختلاف القراءة برفع عاقبة الّذين ونصبها وان كذّبوا بدل منه أو بتقدير اللّام أو السّوءى مفعول مطلق أو مفعول به لأساءوا وان كذّبوا خبر كان أو اسمها (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) هذه جملة منقطعة ومقدّمة لقوله : يوم تقوم السّاعة (الى آخرها) والمراد بالاعادة الى البرازخ (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يعنى بعد المكث في البرازخ ترجعون اليه لا الى غيره (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) عند الرّجوع اليه (يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) من الخلق اى يئسون أو يتحيّرون لغاية الدّهشة (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) في الوجوب ، أو في الآلهة ، أو في العبادة ، أو في الطّاعة ، أو في الولاية ، أو في الوجود والشّهود (شُفَعاءُ) يشفعون لهم عند الله كما قال بعض المشركين : هؤلاء شفعاؤنا عند الله (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) الباء صلة كافرين أو سببيّة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ) تأكيد ليوم تقوم السّاعة (يَتَفَرَّقُونَ) يعنى يتفرّقون فرقتين فرقة الى الجنّة وفرقة الى النّار ، أو المعنى انّهم كانوا مجتمعين في الدّنيا