دنياهم (يُؤْفَكُونَ) عن الحقّ الّذى هو مشهود لهم من امر الآخرة وصحّة الرّسالة وصدق الامامة والخلافة (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) عطف على جملة كذلك كانوا يؤفكون ، والإتيان بالماضي للاشارة الى تحقّق وقوعه ، أو للاشارة الى انّه قد مضى بالنّسبة الى مقام المخاطب الّذى هو محمّد (ص) والايمان اى الإذعان والانقياد ، أو المراد بالعلم العلم بأحكام الرّسالة وقبولها فانّه كثيرا يستعمل العلم في قبول احكام الرّسالة والعلم بها تقليدا أو تحقيقا ، وبالايمان الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة فيكون في معنى قوله قال الّذين أوتوا الإسلام بقبول الدّعوة الظّاهرة والايمان بقبول الدّعوة الباطنة ، أو المراد بالعلم العلم التّحقيقىّ ، وبالايمان الايمان الشّهودىّ الّذين لا يجتمعان الّا في من صار خليفة لله كما عن الرّضا (ع) حين يصف الامامة فانّه قال : فقلّدها عليّا (ع) بأمر الله عزوجل على رسم ما فرض الله تعالى فصارت في ذرّيّته الأصفياء الّذين آتاهم الله تعالى العلم والايمان بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) اى مكتوب الله وهو عالم الطّبع وعالم البرازخ والبدن الطّبيعىّ والبدن البرزخىّ فانّ الكلّ كتاب الله الّذى كتبه بيده (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) يعنى لبثتم من اوّل خلقتكم في عالم الطّبع والبرازخ الى يوم القيامة الكبرى (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) ولا يعلم أمد ذلك الّا الله وأنتم لغاية وحشتكم لم يبق لكم شعور بتلك المدّة الطّويلة (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) تلك المدّة ولا هذا اليوم لتحيّركم وعدم بقاء شعور لكم ، وعلى ما بيّنا الآية لا حاجة فيها الى التّكلّفات الّتى ارتكبها المفسّرون (فَيَوْمَئِذٍ) هذا من جملة قول الّذين أوتوا العلم أو هو من قول الله (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) اى لا هم يسترضون فانّه من العتبى بمعنى الرّضا ، لا من العتب بمعنى الأمر الكريه ، أو لا هم يلامون على ان يكون من العتاب بمعنى الملامة يعنى لا يلامون لاسقاطهم عن درجة الملامة (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) يتّعظ به وينذر ويبشّر به ولكنّهم لا يتّعظون ولا ينذرون (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ) عطف أو حال (بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ) ايّها الرّسول (ص) والمؤمنون (إِلَّا مُبْطِلُونَ) يعنى انّهم لغاية شقوتهم يزيد الأمثال والإنذار في عنادهم بحيث إذا رأوا آية منك دالّة على صدقك أنكروها ونسبوك الى الابطال (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) اى لا يتّصفون باوّل مراتب العلم فانّ من لا يتّصف باوّل مراتب العلم الّذى هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء يكون مطبوعا على قلبه وان كان مليّا بجملة المدركات الكسبيّة (فَاصْبِرْ) يا محمّد (ص) على إنكارهم ونسبتك الى الابطال ، أو فاصبر على إنكارهم لخلافة خليفتك (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بنصرتك وإظهار دينك على الأديان أو بنصرة خليفتك واحقاق حقّه (حَقٌ) لا يتغيّر (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) اى لا يحملنّك على الجهل ولا يصرفنّك عمّا أنت عليه من الحقّ.