أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل بعد ما ذكر جزاء المسيئين : ما جزاء المحسنين؟ ـ فقال : انّ الّذين آمنوا بالبيعة العامّة أو بالبيعة الخاصّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) على وفق ما أخذ عليهم في بيعتهم ، ووضع الظّاهر موضع المضمر للفصل بين هذا الحكم وبين ذكر المحسنين ، وللاشارة الى انّ المحسن ليس الّا من آمن وعملوا الصّالحات (لَهُمْ) لا لغيرهم (جَنَّاتُ النَّعِيمِ خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) بيان لعزّته وحكمته ، عن الرّضا (ع) انّه قال : ثمّ عمد ولكن لا ترونها ، وقد مضى هذا في اوّل سورة الرّعد (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) قد مضت الآية في اوّل سورة النّحل (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) اى من كلّ صنف فانّ كلّ صنف باعتبار ما دونه وما فوقه يسمّى زوجا أو كلّ نبات باعتبار كونه برّيّا وبستانيّا زوج (كَرِيمٍ) الكرم في كلّ شيء بحسبه وكرم النّبات باعتبار كثرة منافعه بدأ بخلق السّماوات فانّها أشرف من الأرض ، ثمّ بذكر خلق الأرض في ضمن إلقاء الرّواسىّ عليها ، ثمّ بذكر خلق المواليد من الأشرف الى الاخسّ (هذا) المذكور من السّماوات والأرض والجبال والمواليد (خَلْقُ اللهِ) اى مخلوق الله (فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) حتّى يكونوا مستحقّين للشّراكة معه وللعبادة لهم فانّ الشّريك لا بدّ وان يكون مثل الشّريك الآخر في شيء من صفاته (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) التفات من الخطاب الى الغيبة ووضع الظّاهر موضع المضمر توصيفا لهم بالظّلم في اشراكهم ، وبيانا لعلّة الحكم ، ولفظ بل اضراب من تعجيزهم الى التّصريح بضلالهم (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) عطف على جملة خلق السّماوات فانّه لمّا عدّ أصول النّعم الّتى أنعم بها على عباده ذكر الشّاكر على نعمه وعدّ شكره حكمة فانّ الحكمة هي دقّة النّظر في القوّة العلّامة وإتقان الصّنع في القوّة العمّالة ، ولم يكن الشّكر الّا من دقّة النّظر وإتقان الصّنع القلبىّ والبدنىّ فانّه كما سبق في سورة البقرة عند قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي) عبارة عن ملاحظة انعام المنعم في النّعمة وملاحظة حقّ المنعم في الانعام المستلزم لتعظيم المنعم وصرف النّعمة لما خلقت لأجله وليس هذه الملاحظة الّا دقّة النّظر ولا ذلك التّعظيم والصّرف الّا إتقان الصّنع القلبىّ والبدنىّ وقد ذكر في نسبه انّه كان ابن باعورا من أولاد أزد بن أخت ايّوب (ع) أو خالته عاش حتّى أدرك داود (ع) (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) بملاحظة حقّه وعظمته في كلّ ما له مدخليّة في وجودك وبقائك وهو كلّ موجود في العالم الكبير من المحسوسات وغير المشهودات ، وفي العالم الصّغير من كلّ ماله مدخليّة في وجودك أو في كمال وجودك ، ولفظة ان تفسيريّة وتفسير للحكمة فانّها كما تكون تفسيرا للمجمل المحذوف تكون تفسيرا للمجمل المذكور ، أو مصدريّة بتقدير اللّام ، أو تكون مع ما بعدها بدلا من الحكمة (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) جملة حاليّة أو معطوفة على جملة (لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ) (الآية) ، أو على الحكمة ، أو على ان اشكر على ان يكون ان مصدريّة ، ويكون بدلا وعليهما فليقدّر قبلهما مضاف حتّى تصير مفردة والتّقدير ان اشكر لله ومضمون من يشكر فانّما يشكر لنفسه ، أو عطف على اشكر سواء جعلت ان تفسيريّة أو مصدريّة لكن بتقدير القول والتّقدير ان اشكر لله وقل لغيرك : من يشكر فانّما يشكر لنفسه لانّ نفعه عائد اليه (وَمَنْ كَفَرَ) كفران النّعم بترك ملاحظة المنعم وتعظيمه في النّعمة وترك صرفها في وجهها لا يضرّ الله شيئا (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن حمد الحامدين وشكر الشّاكرين (حَمِيدٌ) بنفسه حمد أم لم يحمد ، وفي خبر شكر كلّ نعمة وان عظمت ان يحمد الله عزوجل عليها ، وفي خبر : وان كان فيما أنعم عليه حقّ ادّاه ، وفي خبر : من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه فقد أدّى