بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) اى غدّار فانّ الختر الغدر أو اقبحه والخديعة (كَفُورٍ) كثير السّتر للطّريق اى الولاية وهي طريق القلب الى الله أو كفور للنّعم (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) قرئ يجزى من الثّلاثىّ المجرّد بمعنى لا يقضى ، ومن باب الأفعال بمعنى لا يكفى (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ) اى مولود شأنه ان يكون جازيا عن أبيه وعن أقربائه (عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بإتيان القيامة ونشر الكتاب والحساب والمجازاة فيها (حَقٌ) لا شوب كذب فيه (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) عن آخرتكم واليوم الموعود لكم حتّى تغفلوا عنه وعن العمل له (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) اى الشّيطان بأن طوّل آمالكم وارجاكم التّوبة عند الموت واجرأكم على معاصي الله وجمع الدّنيا من الحلّ والحرام (إِنَّ اللهَ) لا غيره (عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) عن الصّادق (ع) هذه الخمسة أشياء لم يطّلع عليها ملك مقرّب ولا نبىّ مرسل وهي من صفات الله تعالى ، وفي نهج البلاغة فهذا هو علم الغيب الّذى لا يعلمه أحد الّا الله ، وقيل : انّ الحارث بن عمرو أتى رسول الله (ص) فقال : متى قيام السّاعة؟ وانّى قد ألقيت حبّا في الأرض فمتى السّماء تمطر؟ وحمل امرأتى ذكر أم أنثى؟ وما اعمل غدا؟ واين أموت؟ فنزلت هذه الآية. اعلم ، انّ في الاخبار دلالة على انحصار علم هذه الأشياء الخمسة في الله واستدلّوا على الانحصار بهذه الآية وقد بلغ إلينا انّ الأنبياء وأوصياءهم (ع) وبعض اتباعهم كانوا يخبرون ببعض هذه الخمسة ، وظاهر هذه الآية لا تدلّ على ثبوت العلم لله تعالى في موت الأنفس ومحلّ موتها فضلا عن الدّلالة على حصر العلم به فيه تعالى فنقول : قد فسّرت السّاعة بساعة الموت والاحتضار ، وهي القيامة الصّغرى ، وبساعة ظهور القائم (ع) وبالقيامة الكبرى ، وانّ السّاعة من السّوع بمعنى الضّياع والهلاك ، وكلّ ذلك فيه معنى الضّياع لضياع التّعيّنات عند الموت وعند ظهور القائم (ع) وعند القيامة الكبرى ، امّا ساعة الموت فقد كانوا يخبرون عنها بل الحذّاق من الاطبّاء كانوا يخبرون عنها ، وامّا ظهور القائم (ع) فانّه ملازم للموت الاختيارىّ أو الاضطرارىّ لانّه من يمت يره ويظهر القائم (ع) أيضا عند القيامة الكبرى ، والقيامة الكبرى لا يعلمها النّبىّ والوصىّ والمؤمن من حيث نبوّته ووصايته وايمانه ، ولكن لمّا كان للآلهة درجات والكاملون بعد الخروج من جهة خلقيّتهم يسيرون في الجهة الحقّيّة ودرجات الآلهة حتّى يقفوا بعد الكمال على الأعراف ، والأعراف مقام القيامة الكبرى ، لم يكن استبعاد في علمهم بساعة القيامة الكبرى للعباد من حيثيّة الآلهة لا من الحيثيّة الخلقيّة وتنزيل الغيث والعلم بوقت نزوله ومكانه وقدره قد يجيء من الأنبياء وأوصيائهم (ع) واتباعهم لكن لا من الحيثيّة الخلقيّة بل من حيثيّة الآلهة ، وهكذا الحال في البواقي ، فالعلم بهذه الخمسة وبكلّ ما غاب عن المدارك البشريّة ليس الّا لله سواء كان العلم بها في المظاهر الالهيّة أو في مقام المشيّة أو في مقام الاحديّة ، ونسب الى الائمّة انّهم قالوا : انّ هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التّفصيل والتّحقيق الّا الله ، وامّا دلالة الآية على علمه تعالى وحصر العلم بها فيه تعالى فنقول : تقديم المسند اليه وتقديم الظّرف في قوله : انّ الله عنده علم السّاعة يدلّ على الحصر ، وعطف ينزّل الغيث على المسند يدلّ على حصر تنزيل الغيث ، وتنزيل الغيث مستلزم للعلم به ، والعدول عن علم تنزيل الغيث للاشارة الى حصر تنزيل الغيث مع الاشارة الى العلم به وقوله (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) مع قوله : ما تدري نفس يدلّ على حصر العلم بموت الأنفس ومحلّ موتها فيه تعالى.