انا والله ابسط منك لسانا ، واحدّ منك سنانا ، وأمثل جثوّا منك في الكتيبة ، فقال علىّ (ع) : اسكت انّما أنت فاسق فأنزل الله هذه الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) قد مرّ مرارا انّ المراد من أمثال هذه العبارة إثبات اظلميّة المفضّل عليه وان كان مفهوم العبارة اعمّ منه (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) مع وضوح الآيات واقتضاء التّذكير بها الإقبال عليها (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) يعنى انّا من مطلق المجرم منتقمون والمعرض عن الآيات بعد التّذكّر بها كان أعظم جرما من كلّ مجرم (وَلَقَدْ آتَيْنا) عطف على مقدّر اى آتيناك الكتاب ولقد آتينا (مُوسَى الْكِتابَ) كما آتيناك فليس إيتاء الكتاب امرا غريبا حتّى تكون أو يكونوا في مرية منه (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) اى من لقاء الكتاب إليك يعنى من نزوله عليك ، أو من لقاء الكتاب الى موسى (ع) ، أو من لقائك لموسى (ع) في الدّنيا قبل موتك ، أو من لقائك لموسى (ع) ليلة الإسراء ، أو في الآخرة ، أو من لقاء موسى لك كذلك ، وقيل : فلا تكن في شكّ من لقاء الأذى كما لقى موسى (ع) الأذى من قوله (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) كما جعلنا كتابك هدى للعالمين (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) لا بأمر أنفسهم (لَمَّا صَبَرُوا) فاصبر أنت وبنوك حتّى نجعل منكم ائمّة (وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) فلا تشكّ أنت وبنوك (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) بين بنى إسرائيل كما يفصل بين قومك فلا تحزن على اختلافهم أو بين الخلق المختلفين فيفصل بين قومك أو بين قومك (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من امر الوصاية والوصىّ ، أو من احكام الشّريعة ، أو من الكتاب وستر بعض منه وتبديل بعض ، أو من تصديق الرّسل (ع) وتكذيبهم (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) لقومك أو لقوم موسى (ع) والجملة معطوفة على مقدّر اى الم يتفكّروا ، وفاعل يهد ضمير كتابك أو كتاب موسى (ع) أو الله أو مبهم يفسّره قوله (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) يسمعون أخبارهم وان لم يكونوا يرون إهلاكهم ولكن يرون آثارهم لانّهم (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) لمّا كان الاطّلاع على إهلاك الماضين بسماع أخبارهم استعمل السّماع هاهنا (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) ارض جرز بالضّمّتين وجرز بالضّمّ والسّكون وجرز بالفتح والسّكون ، وجرز بالتّحريك ومجروزة لا تنبت أو أكل نباتها أو لم يصبها مطر (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) لمّا كان الاطّلاع على سوق ماء المطر وماء السّيل وماء الأنهار الى الأراضي بالرّؤية وهكذا إخراج الزّرع وأكل الانعام والأنفس من نباتها استعمل الأبصار وأسقط هاهنا قوله انّ في ذلك لآيات اكتفاء بما ذكر في قرينه (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ) المراد بالفتح المسؤل أو المستهزء به هو ظهور القائم عجّل الله فرجه واستنارة الأرض بنور ربّها وارتفاع الاختلاف عن أهلها ، وليس في العالم الصّغير الّا حين الموت الاختيارىّ أو الاضطرارىّ فانّهم لمّا أخبرهم رسول الله (ص) بظهور القائم (ع) وظهور الدّين وجعل الأديان كلّها دينا واحدا سألوا على سبيل الاستفهام أو التّهكّم والاستهزاء عنه والجملة عطف على لم يهد أو لم يروا يعنى انّ آيات هذا الفتح كثيرة من إهلاك القرون الماضية واحياء الأرض بعد موتها ولا يتفكّرون فيها ويقولون : متى هذا الفتح؟! (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في هذا الاخبار (قُلْ) في جوابهم لا تستعجلوا هذا الفتح فانّ (يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) فانّه يوم بروز المكسوبات لا يوم كسب الخيرات (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) اى عن الجواب والسّؤال معهم ، أو عن دعوتهم ، أو عن ذواتهم فانّهم لا يتأثّرون بمجاورتك (وَانْتَظِرْ) يوم الفتح (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) لذلك اليوم.