لتربّى وتكمل على عيني وقت وقوعك في يد فرعون ومحبّته لك وطلبه مرضعة لك وعدم التقامك ثديا وانتظارهم وتوقّعهم ارتضاعك وحاجتهم الشّديدة الى مرضعة ترضعك إذ تمشي أختك (فَتَقُولُ) لهم (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) وسألوا من أختك الدّلالة عليها واحضر فرعون أمّك وسلّمك إليها للإرضاع بأجرة ومؤنة (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) أمّك أو أنت (وَقَتَلْتَ نَفْساً) عطف على أوحينا والمراد بقتل النّفس قتل القبطىّ الّذى كان منازعا مع السّبطىّ فبطشه كما سيأتى (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) بان الهمناك ودللناك على الخروج من مصر (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) ابتليناك من اوّل انعقاد نطفتك بأنواع البلايا لتكون عبرة للنّاظرين والسّامعين لها وحجّة على الجاحدين المنكرين لقدرة الله الخادعين مع الله بان جعلنا انعقاد نطفتك على باب قصر فرعون في ليل كان فرّق بين نساء بنى إسرائيل ورجالهم ، وحملت بك أمّك في عام كان فرعون وكّل فيه بنساء بنى إسرائيل نساء من القبطىّ يفتّش النّساء لاستظهار الحمل ، ويستحيين حيائهنّ ولم يظهر حملك عليهنّ ، وولدت في عام كان فرعون يقتل كلّ مولود ذكر اسرائيلىّ فيه فألقيت على المرأة الموكّلة بأمّك محبّة لك حتّى قالت لأمّك لا تحزني واصنعي به ما شئت ولم تخبر بك ، وألقتك أمّك في البحر فسلّمتك من الغرق وسائر آفات البحر ، وسلّمتك الى فرعون وألقيت محبّتك في قلبه ، وربّيتك في حجر عدوّك حتّى استدعى من أمّك ان ترضعك بأجرة ، وابتليتك بان همّ فرعون بقتلك غير مرّة فسلّمتك ، وبان قتلت نفسا منهم ففررت خوفا منهم من غير رفيق وزاد وراحلة الى مدين فسلّمتك الى مدين والى نبيّي شعيب وزوّجتك ابنته ، وابتليتك بان آجرت نفسك عشر سنين لرعى ما ماشيته بان صرت محبوسا بتلك الاجارة وكان كمالك في ذلك الحبس ، وبعد ما خرجت من مدين ابتليتك ببرد شديد وظلمة شديدة وضلال الطّريق وتفرّق الماشية ومخاض المرأة وعدم انقداح الزّند حتّى أخلصتك لمناجاتي وكلامي بذلك (فَلَبِثْتَ سِنِينَ) عشرا (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) على ما روى انّه أتمّ ابعد الأجلين (ثُمَّ جِئْتَ) من مدين الىّ أو الى هاهنا أو الى مصر مشتملا (عَلى قَدَرٍ) اى مبلغ يبلغ الرّجال فيه الى الكمال ، أو على طاقة لحمل أعباء الرّسالة ، أو على قوّة في بدنك ونفسك ، أو على ما قدّر لك من فضل الرّسالة (يا مُوسى) في تكرار النّداء لطف من الله والتذاذ للمنادى (وَاصْطَنَعْتُكَ) مبالغة في الصّنع يعنى خلقتك وربّيتك وأكملتك كمالا ينبغي بحال الكمّل من الرّجال خاصّا (لِنَفْسِي) هذا غاية تشريف وتكريم له (ص) ، ولمّا كان مراده ان يرسله الى من هو خائف منه ذكر قبل ذلك ما منّ به عليه مرّات عديدة ليكون على ذكر من ذلك ويتسلّى بذلك عن خوفه ويكون على قوّة من القلب حين الذّهاب الى فرعون وقال تعالى (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) كما سألته (بِآياتِي) الى فرعون وقومه اسقطه هاهنا بقرينة السّابق واللّاحق (وَلا تَنِيا) لا تفترا (فِي ذِكْرِي) الّذى اخذتماه من شيخكما للدّوام عليه أو في تذكّرى والتّوجّه الىّ بقلوبكما حيثما تقلّبتم ، أو حين الدّعاء الىّ ، أو في رسالتي ، أو في ذكرى بألسنتكم عند فرعون (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ) تأكيد للاوّل ولذلك لم يأت بأداة الوصل (إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) قولا بمعناه المصدرىّ ، أو بمعنى المقول مفعول مطلق أو مفعول به (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) عن الكاظم (ع) وامّا قوله : لعلّه يتذكّر أو يخشى ، فانّما قال ذلك ليكون أحرص لموسى (ع) على الذّهاب وقد علم الله عزوجل انّ فرعون لا يتذكّر ولا يخشى الّا عند رؤية البأس ، والتّذكّر كناية عن الرّجاء ، والخشية هي الخوف (قالا) يعنى قال موسى (ع) قالا وهارون (ع) حالا ، أو قال موسى (ع) وضمير التّثنية للتّغليب ، أو قالا بعد رجوع موسى (ع) الى مصر وأعلام هارون (ع) بالرّسالة (رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ