يَفْرُطَ عَلَيْنا) اى يسبقنا ويسبق آياتنا بقوّته وعقوبته أو يسرف علينا ، وقرئ يفرط مبنيّا للمفعول وللفاعل من افرطه إذا حمله على المعاجلة ، أو من أفرط إذا أسرف (أَوْ أَنْ يَطْغى) يعنى نخاف من قساوته وعن ملكه ان يسبقنا بالعقوبة ، أو يظهر بالنّسبة إليك ما لا نرضاه ولا نتحمّله (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما) معيّة خاصّة غير المعيّة المطلقة الّتى تكون لي مع كلّ شيء فتمنعه معيّتى لكما عن الإسراف عليكما وعن الطّغيان علىّ (أَسْمَعُ) منه ما لا تسمعاه (وَأَرى) منه ما لا ترياه منه فاصرف عنكما شرّه في كلّ حال وانصركما من حيث لا ترون ولا يرى (فَأْتِياهُ) اى إذا كنت معكما اسمع وارى فأتياه من غير خوف منه متّكلين على نصرتي (فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) تثنية الرّسول هاهنا وافراده في الشّعراء للاشارة الى وحدة الرّسالة وتعدّد الرّسولين (فَأَرْسِلْ) اى أطلق من الاستعباد وأرسل (مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) الى ما نشاء من البلاد ، أو أرسل من العذاب معنا بنى إسرائيل سواء كنّا في مصر أو في غيرها (وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) جواب سؤال مقدّر أو مذكور حين التّكلّم محذوف حين الحكاية كأنّه قال : وهل لكما ما يدلّ على صدقكما؟ ـ فقالا : قد جئنا بآية دالّة على صدقنا في رسالتنا من ربّك ، وتكرار ربّك للاشعار بانّه مربوب وليس بربّ كما ادّعاه ، وهذا جزء مقول القول الّذى امرا به أو كلام منهما والتّقدير فجاءا وقالا له ما قاله تعالى فقال : ما الدّليل؟ ـ قالا : قد جئناك (الى آخر الآية) (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) يعنى أظهرا دعواكما عنده وأظهرا انّ لكما آية على دعوتكما ، ثمّ حيّياه بتحيّة المتاركة بنحو التّعريض بضلاله ودعائه الى اتّباع الهدى ، أو قولا له : السّلامة على من اتّبع الهدى ، وعلى هذا فقوله (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) كان في موضع تعليل ، وعلى الاوّل كان جوابا للسّؤال عن حالهما في رسالتهما ، هذا إذا كان قوله : قد جئناك محكيّا بالقول ، وإذا كان منهما حين الورود على فرعون كان قوله : والسّلام على من اتّبع الهدى (الى آخر الآية) من قولهما ، وارتباطه بسابقه كان ظاهرا (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) نادى موسى (ع) لانّه كان الأصل وهارون (ع) كان فرعا ، أو أراد ان يتكلّم موسى (ع) حتّى يظهر على الحاضرين عجزه عن التّكلّم ووهنه في ادّعائه ، ويدلّ عليه قوله أم انا خير من هذا الّذى هو مهين ولا يكاد يبين (قالَ) موسى (ع) لمّا خصّه بالنّداء أجاب هو عنه فقال (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) قرئ بسكون اللّام مفعولا ثانيا لاعطى ، أو مفعولا اوّلا اى اعطى كلّ شيء خلقه وإيجاده أو خلقه وصورته اللّائقة به ، أو اعطى كلّ شيء نظيره فانّ كلّ شيء من الحيوان له نظير من الذّكر أو الأنثى ، وهكذا من النّبات والمعدن حتّى العناصر فانّ الأرض نظيرها المرافق لها هو الماء مثلا ، وقرئ خلقه فعلا ماضيا صفة لشيء والمعنى اعطى كلّ شيء من الأعيان الثّابتة والتّعيّنات الظّاهرة في مقام علمه كلّ ما يحتاج اليه من الوجود ولوازمه من الكمالات الاوّليّة اللّائقة بحال كلّ والكمالات الثّانية ويكون قوله خلقه (ثُمَّ هَدى) بيانا وتفصيلا لقوله (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ) ، ومعنى (خَلْقَهُ) أعطاه وجوده وكمالاته الاوّليّة ، ثمّ هداه بالإراءة أو الإيصال الى الطّريق أو الى المطلوب الى كمالاته الثّانويّة الاختياريّة في المختارين ، أو الاضطراريّة في المضطرّين ، والتّعبير عن إعطاء الكمالات الثّانويّة بالهدى للاشعار بانّ الوصول الى الكمالات الثّانويّة غير محتوم بل قد يكون وقد لا يكون ، وقد أجابه (ع) بجواب لا يمكنه التّلبيس والتّمويه على الحاضرين فانّه أجابه بعموم الرّبوبيّة الّتى لا يمكنه إنكاره ولا نسبة مثله بالتّمويه الى نفسه كما قال نمرود : أنا أحيى وأميت ، ولذلك بهت ولم يحر جوابا بالنّقض والحلّ ، وانتقل الى سؤال آخر و (قالَ فَما