بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) ما حالهم بحسب البقاء والفناء؟ والخير والشّرّ؟ والنّعمة والنّقمة؟ والمنازل والأمكنة؟ اعرض عن السّؤال الاوّل وسأل عمّا يعجزه في الجواب لانّه ان كان يجيب ببيان أحوالهم يصر عاجزا عن اقامة دليل عليه يفهمه السّامعون ولهذا أجابه بما لم يطالبه فرعون بدليل عليه و (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) يعنى انّ حالهم من الغيب الّذى لا يطلع الله أحدا عليه الّا من ارتضاه ولو كنت اعلم منه شيئا باعلام الله لا يمكنني إفهامك وإفهام أمثالك (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي) هو صفة كتاب بتقدير العائد اى لا يضلّ عنه وعن طريقه قبل العلم (وَلا يَنْسى) بعد العلم به أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر ، ولمّا اعرض فرعون عن جواب سؤاله الاوّل ولم يتعرّض له بالرّدّ والقبول ادّى موسى (ع) جواب سؤاله الثّانى بحيث انجرّ الى الجواب الاوّل حتّى اضطرّ الى القبول أو بهت كما بهت اوّلا حتّى يظهر عجزه على الحاضرين فقال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) تهتدون بها الى غير بلادكم لتحصيل منافعكم وما تحتاجون اليه ، وسبلا لتحصيل معايشكم من الزّراعات والتّجارات والصّناعات ، وسبلا لتحصيل منافعكم الاخرويّة من الأنبياء (ع) وشرائعهم وخلفائهم (ع) (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ) من جهة العلو (ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ) قيل : هو التفات من الغيبة الى التّكلّم وهو صحيح إذا كان المتكلّم هو المتكلّم وليس كذلك ، وقيل : هو كلام من الله مربوط بكلام موسى (ع) بان بكون هو من كلام الحاكي مربوطا بكلام المحكىّ عنه ومثله كثير في المخاطبات لكن نقول : انّ الرّسول (ع) حين رسالته وتبليغها قد ينسلخ من انانيّته بحيث لا يبقى في وجوده الّا انانيّة المرسل وحينئذ يجوز ان يظهر بشأن المرسل ويتكلّم بكلام خاصّ بالمرسل بعد ان كان يتكلّم بكلامه من حيث رسالته ويكون الكلامان متّصلين بحيث يظنّ انّهما من واحد فيجوز ان يكون الكلام التفاتا من الغيبة الى التّكلّم بهذا الاعتبار كأنّه صار الرّسول مرسلا فقال : فأخرجنا به (أَزْواجاً) اى أصنافا وأنواعا فانّ كلّ صنف ونوع من النّبات له كالحيوان قسمان مثل الذّكر والأنثى من الحيوان ، أو اطلاق الأزواج باعتبار أنّ كلّ صنف من أصناف النّبات له نظير أو نظائر من نوعه ، أو باعتبار انّ كلّ صنف بملاحظة تركّبه من العناصر زوج ، أو بملاحظة تعيّنه ووجوده زوج (مِنْ نَباتٍ شَتَّى) متفرّقة مختلفة في الشّكل واللّون والزّهر والحبّ والثّمر والمزاج والخاصيّة ووقت النّبت ووقت الحبّ والثّمر وغير ذلك قائلين (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) عديدة دالّة على علمه تعالى وقدرته وحكمته البالغة وعلى اهتمامه بشأن المواليد الارضيّة ولا سيّما بالأشرف منها وهو الإنسان وعلى انّه لا يهمل الإنسان بحسب بقائه في الآخرة الّذى هو المقصود من خلقه في الدّنيا بدون تهيّة أسباب بقائه وبدون من يدلّه على بقائه وما به بقاؤه بنحو المرضىّ له وليست الآيات لكلّ الموجودات لانّ بعضهم غنىّ عن إظهار الآيات كالملائكة ، وبعضهم لا يدركون منها كونها آيات بل للإنسان وليست لكلّ فرقة منه بل (لِأُولِي النُّهى) الذين حصّلوا بقبول الولاية واتّباع شروط عهده عقلا يكون مرجعا ومنتهى لكلّ الأعضاء والجوارح بحسب افعالها ، ولكلّ القوى والمدارك بحسب آثارها ، وناهيا للكلّ عمّا لا ينبغي ، ومنتهى لعلوم السّابقين ، وقد أشير في الخبر الى كلّ وعلم من ذلك وجه تسمية هذا العقل بالنّهية ، ولا يحصل هذا العقل الّا بالولاية ، لانّ من لم يتولّ ولىّ امره تمكّن الشّيطان من عنقه ، ومن تمكّن الشّيطان من عنقه لم يدعه على حال ولم يذره على شأن فلم يكن له جهة وحدة يرجع الكلّ إليها فكان كرجل متشاكس فيه رجال والأصل في الاتّصاف بالنّهى هم الائمّة (ع) ولذلك فسّروا اولى النّهى بأنفسهم بطريق الحصر ، والفرع في ذلك شيعتهم وليس لغيرهم منه حظّ ونصيب ، وورد عن النّبىّ (ص) انّ خياركم اولو النّهى قيل : يا رسول الله ومن أولوا النّهى؟ ـ قال : هم أولوا الأخلاق الحسنة والأحلام الرّزينة ، وصلة الأرحام والبررة بالامّهات والآباء