وسماوات الأفلاك (وَما فِي الْأَرْضِ) اى ارض عالمي المثال وعالم الطّبع فانّ الكلّ بالنّسبة الى الأرواح أراض وارض العنصر وقد تكرّر انّ اللّام في مثل هذا تستعمل في المبدئيّة والمرجعيّة والمالكيّة وتكرّر أيضا انّه إذا قيل : لزيد ما في الصّندوق ، يدلّ على انّ الصّندوق وما فيه له خصوصا إذا كان ما في الصّندوق نفيسا (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) اى يخصّه الحمد في الدّار الآخرة أو يخصّه في آخرة مراتب الحمد فانّه يتراءى ان يكون غيره محمودا أيضا ما دام الإنسان في الدّنيا أو في مراتب الحمد وبعد النّظر الدّقيق وفي دار الآخرة الّتى يتراءى كلّ شيء كما هو يعلم انّ الحمد خاصّ به (وَهُوَ الْحَكِيمُ) في فعاله أو في فعاله وعلومه (الْخَبِيرُ) بكلّ شيء مع إتقان العمل والدّقّة في العلم (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) اى ما يدخل في ارض عالم المثال العلوىّ من اشعّة العقول والنّفوس ، ومن صور علوم العقول والنّفوس ، ومن الإفاضات اللّاتى تفيض عليها من العالم العلوىّ الّتى بها بقاؤها ورزقها ، والّتى تفيض عنها الى ما دونها من عالم الطّبع وعالم الجنّة ويعلم ما يلج في الأرض الّتى هي جملة عالم الطّبع من اشعّة العقول والنّفوس وعالم المثال ، وممّا يفيض عليها ممّا به بقاؤها ورزقها ، ومن الصّور الّتى تفيض على أجرامها ، ومن الوجود الّذى يتجدّد على جملة اجزائها آنا فآنا ويعلم ما يلج في الأرض العنصريّة من اشعّة العقول والنّفوس وعالم المثال واشعّة كواكب الأفلاك وصور المواليد والقوى والاستعدادات الّتى تدخل فيها بعد امتزاجها بسائر العناصر وتولّد المواليد منها وهكذا الاستعدادات الّتى تدخل في جملة المواليد ويعلم المياه الّتى تدخل فيها من البحار والأنهار والأمطار وما يستحيل من الهواء إليها ومن الاجزاء الرّشيّة الهوائيّة الّتى تدخل في تجاويفها ، ومن الحبوب والعروق الّتى تدخل فيها ، ويعلم ما يلج في الأرض الّتى هي عالم الجنّة من القوى والاستعدادات ، ومن الاناسىّ الّذين يدخلون في عالمهم من الأشقياء الّذين يصيرون من سنخهم ، وممّا يفيض عليها من العلويّين ومن القوى والاستعدادات الّتى تتولّد فيها من تأثير العلويّين ، ويعلم ما يلج في عالم البرزخ المسمّى بهور قوليا في لسان الأقدمين فانّه مدينة لها الف الف باب ، وفي النّزول يدخل فيها كلّ يوم من أبوابها المشرقيّة ما لا يحصى عددهم من الملائكة النّازلة ، ويدخل فيها من تلك الأبواب ما لا يحصى ممّا يفيض على ما دونها من عالم الطّبع وعالم الجنّة ، وفي الصّعود يدخل فيها كلّ يوم بل كلّ آن ما لا يحصى عددهم من الملائكة الصّاعدين والنّفوس البشريّة المنخلعة عن الأبدان الصّاعدة الى المثال العلوىّ وعالم الأرواح ، أو النّازلة الى عالم الجنّة والجحيم (وَما يَخْرُجُ مِنْها) يمكن ان يعلم ذلك بالمقايسة (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ) الّذى يرحم عباده وخلقه بان لا يقطع مدد حيوتهم ورزقهم منهم مع ما يرى منهم من قبائح أعمالهم ومع ما يعرج منهم الى السّماوات من الأعمال السّيّئة الّتى ينبغي ان يعذّبوا عليها (الْغَفُورُ) الّذى يستر قبائح أعمالهم عن الاناسىّ والملائكة بل عن أنفسهم (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) اى القيامة أو ظهور القائم أو الرّجعة أنكروها واستبطأوها استهزاء (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) قد مضى في سورة يونس (ع) تفسير الآية وقدّم الأرض هناك واخّرها هاهنا ، ووجه تقديم السّماوات ظاهر ، ووجه تقديم الأرض مضى هناك (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) لا تعب فيه ولا تبعة له ، تقديم جزاء المؤمنين ونسبة الفعل الى الله اشعار بانّ الغاية جزاء المؤمنين وانّه غاية بالذّات منسوبة الى الله بالذّات ولذلك غيّر الأسلوب ولم يقل وليجزي الّذين سعوا في آيات الله وقال (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) الآفاقيّة من الأنبياء والأولياءعليهمالسلام بالاستهزاء بهم وتوهينهم وإيذائهم وضربهم وقتلهم وإخفاء أحوالهم وأخلاقهم وسننهم عن النّاس