وتلبيس أحكامهم وآياتنا الآفاقيّة الاخر بإخفائها عن النّاس وعن أنفسهم وآياتنا التّدوينيّة بإخفائها وتحريفها وتأويلها الى ما يوافق باطلهم (مُعاجِزِينَ) النّاس عن إعلان حقّهم وإظهار آية حقّهم أو معاجزين المدّعين لدلالة الآيات على الحقّ عن ادّعائهم أو معاجزين الله وخلفاءه ، وقرئ معجزين بمعنى مثبّطين عن الايمان وعن النّظر الى دلالة الآية على الحقّ (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) تنوين عذاب للتّفخيم والتّهويل ، والرّجز مطلق العذاب وحينئذ يكون من للتّبعيض ، أو بيانيّة ويكون تنكيره للتّفخيم ، أو المراد منه عبادة الأوثان ويكون من للتّعليل أو للابتداء ، أو المراد منه الشّرك ويكون التّنكير للتّفخيم والتّنويع ولفظة من كسابقها ، والمراد بالشّرك العظيم هو الشّرك بالولاية ، أو المراد منه القذر ويكون لفظة من كسابقها واليم قرئ بالرّفع صفة لعذاب وبالجرّ صفة لرجز (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يرى بمعنى يعتقد أو يعلم والمراد بالعلم الّذى أوتوه هو النّور الّذى يقذفه الله في قلب من يشاء ولذلك قال تعالى : أوتوا العلم ولم يقل كسبوا العلم واولى درجات هذا العالم هو النّور الّذى يجعل الإنسان متحيّرا في امره لا يدرى ما يقول ولا ما يفعل فيسكت عن الكلام ويتحيّر في طلب أصله كيف يطلب ، ولذلك قال (ص) حين سئل عن العلم : انّه الإنصات (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ) قرئ الحقّ منصوبا وعليه فالّذى انزل إليك مفعول اوّل ليرى وهو ضمير الفصل والحقّ مفعوله الثّانى وقرئ الحقّ مرفوعا وعليه يجوز ان يكون الّذى انزل إليك صفة للعلم ومفعول يرى محذوفا وجملة هو الحقّ مستأنفة ، ويجوز ان يكون الموصول مفعولا ليرى ويكون يرى متعدّيا لواحد ، أو المفعول الثّانى محذوفا وهو الحقّ جملة مستأنفة ، ويجوز ان يكون الموصول مفعولا اوّلا وجملة هو الحقّ مفعولا ثانيا والمراد بالّذى انزل اليه (ص) جملة ما انزل اليه أو المعهود ممّا انزل اليه في ولاية علىّ (ع) والمراد بالّذين أوتوا العلم علىّ (ع) أو جملة المؤمنين (وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) عطف على جملة هو الحقّ أو عطف على جملة يرى الّذين أوتوا العلم ويكون حينئذ ضمير الفاعل راجعا الى البعض المستفاد من الّذين أوتوا العلم يعنى يهدى كلّ بعض منهم بوجوده وفعله وقوله وخلقه وحاله كعلىّ (ع) وبعض المؤمنين أو ببعضها كبعض آخر منهم (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) هذه الجملة مقابلة لقوله تعالى ويرى الّذين أوتوا العلم وهما معطوفتان وفيهما معنى التّعليل وكان المناسب للمقابلة ان يقول ويقول الّذين كفروا لكنّه للاشعار بثبات أقوال المؤمنين وأفعالهم واستمرارها أتى هناك بالمضارع وللدّلالة على عدم ثبات أقوال الكافرين وأفعالهم فانّها كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض أتى بالماضي هاهنا (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ) بأمر عجيب كانوا يعنون النّبىّ (ص) ويستهزؤن به (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) بالبعث بعد الموت (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) في نسبة ذلك الى الله أو في ادّعاء الرّسالة من الله (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) اى جنون لا يقول ما يقول عن قصد وشعور (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وضع الظّاهر موضع المضمر اشعارا بعلّة الحكم (فِي الْعَذابِ) الّذى جعلهم كالمجنون في عدم الاعتناء بقولهم (وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) نسبة البعد الى الضّلال مجاز عقلىّ يعنى انّهم مفترون وانّهم كالمجنون لا الرّسول (أَفَلَمْ يَرَوْا) اى الم ينظروا أو عموا فلم يروا؟ (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) سماء الأرواح وارض الأشباح فانّ الإنسان من اوّل الخلقة متوجّه الى عالم الآخرة وعالم الأرواح ومدبر عن عالم الأشباح ، وأيضا ارض الطّبع تحت قدميه فهي كشيء خلفه وسماء الطّبع فوق رأسه فهي بما بين يديه أشبه أو لفظة من تبعيضيّة والمعنى الم ينظروا الى ما بين أيديهم؟ حالكونه بعضا من السّماء وبعضا من الأرض ، أو ابتدائيّة والمعنى الم يروا الى ما بين أيديهم من الحوادث الماضية؟