(آيَةٌ) دالّة على قدرة الحقّ وعنايته بخلقه وثوابه وعقابه في الدّنيا والآخرة (جَنَّتانِ) جماعتان من البساتين (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) لبلدهم في مسيرة عشرة ايّام كلّ واحدة كأنّها بستان واحد لتضامّها والتفافها مقولا فيهم (كُلُوا) أو هو مستأنف بتقدير القول كأنّه قيل : ما قيل لهم؟ ـ أو ما قلت يا ربّ لهم؟ ـ فقال : قيل أو قلنا : كلوا (مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) هذه أيضا مستأنفة في مقام التّعليل اى هذه بلدة طيّبة (وَرَبٌّ غَفُورٌ) وقرئ الكلمات الأربع بالنّصب على الحاليّة أو على المدح (فَأَعْرَضُوا) عن الشّكر بل ملّوا عن النّعمة كما سيأتى (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) قد فسّر العرم بالسّدّ الّذى يبنى في الاودية وهو جمع بلا واحد أو واحده العرمة ، وبالجرز (١) الذّكر الّذى خرّب سدّهم ، وبالمطر الشّديد ، وبواد كان السّدّ فيه ، قيل : انّ بحرا كان في اليمن وكان سليمان (ع) امر جنوده ان يجروا لهم خليجا من البحر العذب الى بلاد الهند ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من الصّخرة والكلس حتّى يفيض على بلادهم وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا ان يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون اليه ، وكانت لهم جنّتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة ايّام فيها يمرّ المارّ لا يقع عليه الشّمس من التفافها ، فلمّا عملوا بالمعاصي وعتوا عن امر ربّهم ونهاهم الصّالحون فلم ينتهوا بعث الله عزوجل على ذلك السّدّ الجرز وهي الفأرة الكبيرة فكان تقلع الصّخرة الّتى لا تستقلّها الرّجال وترمى بها فلمّا رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد فما زال الجرز تقلع الحجر حتّى خرّبت ذلك فلم يشعروا حتّى غشيهم السّيل وخرّب بلادهم وقلع أشجارهم (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) مرّ بشع قيل المراد به امّ غيلان (وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) لمّا كان ثمر السّدر ممّا يؤكل وصفه بالقلّة وسمّى بدل الجنّتين بالجنّتين للتّهكّم (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) فتنبّهوا يا أمّة محمّد (ص) ولا تكفروا نعمة النّبوّة والولاية اللّتين هما كبستانين حافّتين ليمينكم وشمالكم ولا تكفروا نعمة صفحتي النّفس العمّالة والعلّامة ولا تكفروا نعمة الإسلام الحاصل بالبيعة العامّة النّبويّة ، والايمان الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة ، ولا تكفروا نعمة احكام الشّريعة القالبيّة ، ولا نعمة آثار الطّريقة القلبيّة (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) قرئ نجازى بالنّون والكفور بالنّصب ، ويجازى بالياء مبنيّا للمفعول والكفور بالرّفع (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) اى بلاد الشّام وقيل مكّة (قُرىً ظاهِرَةً) يعنى متواصلة يظهر بعضها لبعض لقربها واتّصالها (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) بحيث ينتقل كلّ من الغادي والرّائح من قرية الى قرية اخرى من غير تعب في السّير (سِيرُوا فِيها) حال بتقدير القول أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول (لَيالِيَ وَأَيَّاماً) الى الشّام أو الى مكّة (آمِنِينَ) من الجوع والعطش ومن السّرّاق وقطّاع الطّريق (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) بلسان الحال حيث عملوا بالمعاصي وكفروا النّعمة أو بلسان القال والحال جميعا بان أظهروا الملال من النّعمة والعافية وسألوا بعد المسافة في الاسفار ليتطاولوا فيها بحمل الزّاد وما يحتاج اليه في الاسفار على الفقراء ، وقرئ ربّنا بالنّصب وبعّد بصيغة الأمر من التّفعيل وبعد بصيغة الماضي من الثّلاثى المجرّد ، وربّنا بالرّفع وباعد بصيغة الماضي من المفاعلة ، والقراءة المشهورة ربّنا بالنّصب وباعد من المفاعلة بصيغة الأمر ، وإذا كان بصيغة الخبر كان مقصودهم عدم الاعتداد بالنّعمة وطلبا للمزيد مع الكفران (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بكفران النّعمة (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) جمع الحديث على الشّذوذ ، أو جمع الاحداث جمع الحدث ،
__________________
(١) ـ الفأرة الكبيرة ، والأرض الجرز التي لا تنبت.