صفّا ، والثّانية هي عوالم النّفوس الكلّيّة والجزئيّة المعبّر عنها بالمدبّرات امرا ، والملائكة الرّكّع والسّجّد ، وعوالم المثال العلوىّ والسّفلىّ ، والثّالثة هي عوالم الطّبع الّتى وجودها وجود تعلّقىّ مادّىّ ، وانّ العوالم كلّها معلولة لله تعالى ، وانّ العلّيّة ليست كما توهّمها المتوهّمون مثل علّيّة البنّاء للبناء والنّار للنّار ، والشّمس للتّبييض والتّسويد ، بل هي بالتّشأّن بمعنى انّ المعلول لا بدّ وان يكون شأنا من العلّة ومتقوّما بها لانّ تقابلهما تقابل التّضايف والمتضائفان غير منفكّين في الخارج وفي الذّهن فلو لم يكن العلّة داخلا في قوام المعلول والحال انّ المعلوليّة عين ذات المعلول كان تصوّر المعلول لمن تصوّره بكنهه منفكّا عن تصوّر العلّة ، والعلّيّة في الحقّ الاوّل تعالى عين ذاته كما انّ المعلوليّة في الممكن عين ذاته ، وانّ ذات العلّة علم وارادة كلّه كما انّه وجود كلّه ، ولمّا لم يكن قوام المعلول فارغا من العلّة كان قوامه علما وارادة لله تعالى وانّ المجرّدات الصّرفة كلّما كان لها بالإمكان كان حاصلا لها بالفعل لعدم القوّة والاستعداد فيها وانّ النّفوس الكلّيّة من حيث ذواتها وتجرّدها الذّاتىّ كلّما كان في العقل بالفعل كان فيها أيضا بالفعل لكن بنحو البساطة والوجود الوحدانىّ لا بنحو الكثرة ولذلك كانت النّفوس الكلّيّة لوحا محفوظا من التّغيّر والتّبدّل لا يتطرّق إليها المحو والإثبات ، وانّ النّفوس الجزئيّة العلويّة الّتى لها تعلّق بعالم المادّة بتوسّط عالم المثال العلوىّ لضيقها عن الاحاطة بالجزئيّات الغير المتناهية ليس كلّما فيها بالقوّة يكون بالفعل بل يتعاقب عليها الفعليّات وتخرج من القوى والاستعدادات بحسب قرب استعداداتها الى الفعليّات من أجل تعلّقها بالمادّيّات ، أو بحسب تقريب تشبّهاتها المتعاقبة بالعلويّات استعداداتها الى الفعليّات كالنّفوس الخياليّة للإنسان في انّها تتعاقب عليها الفعليّات لأجل ضيقها وعدم احاطتها بجملتها دفعة وقرب استعداداتها الى الفعليّات الطّيّبة أو الرّديّة باعداد العبادات والمعاشرين والأفكار الطّيّبة والرّديّة وغير ذلك ، وانّ النّفوس الجزئيّة العلويّة كالنّفوس الجزئيّة البشريّة لها وجه الى المادّيّات به تتأثّر منها وتستعدّ لاخذ الفعليّات من العلويّات ، ووجه الى المجرّدات به تأخذ من المجرّدات ما قرب استعداداتها منه ، وكلّما استعدّ مادّىّ من المادّيّات لحصول صورة أو كيفيّة فيه يفيض صورة تلك الصّورة أو الكيفيّة من المجرّدات على تلك النّفوس الجزئيّة العلويّة ولكن لضيقها لا يثبت فيها جميع شروطها وجميع معدّاتها وموانعها ، فاذا اتّصل بعض النّفوس البشريّة كنفوس الأنبياء وأوصيائهم (ع) في النّوم أو اليقظة بتلك النّفوس الجزئيّة يشاهد فيها ما ثبت فيها من الصّور والكيفيّات ويرى فيها وقوع الحادثة فيخبر أحيانا بتلك الحادثة ، ثمّ يرى بعد ذلك تخلّف تلك الحادثة وعدم وقوعها ويرى محوها من تلك النّفوس وثبت ضدّها فيها فيقول على سبيل المشاكلة : بدا لله تعالى فيها أو يقول حقيقة : بدا لله تعالى لانّ تلك المرتبة من النّفوس هي علم الله وإرادته ومحو الارادة الاولى وثبت الارادة الثّانيّة ليس الّا البداء وليس ذلك من جهل وعجز في الفاعل بل هو من ضيق القابل ، وقد يثبت في تلك النّفوس صورة الحادثة مع جميع الشّرائط والمعدّات والموانع لكنّ المتّصل بها لضيق مداركه عن الاحاطة بجميع ما فيها لا يدرك جميع الموانع والشّروط فيخبر بصورة الحادثة ثمّ تتحلّف الحادثة فيقول : بدا لله تعالى ، ولمّا كان تلك النّفوس المتأثّرة من المادّيّات وباعداد المادّيّات يفيض عليها من المجرّدات وكانت هي من مراتب إرادته تعالى صحّ نسبة التّردّد بواسطتها الى الله تعالى وصحّ تأثير الصّدقات والدّعوات والصّلات فيها وتغيير ما فيها ومحو المثبت وثبت الغير المثبت فيها بواسطة ذلك ، وما قاله الفلسفىّ من : انّها من الاتّفاقيّات ولا تأثّر للعلوىّ من السّفلىّ ، لا يصغي اليه ، بعد شهود أهل الشّهود وإمكان ذلك فيها ، وما ورد عن الصّادق (ع) انّه يبعث عبد المطّلب أمّة واحدة عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء (ع) وذلك انّه اوّل من قال بالبداء فالمقصود انّه اوّل من حقّق البداء في حقّه تعالى والّا فأكثر الأنبياء (ع) والسّلف كانوا قائلين بالبداء كما وصل إلينا من أخبارنا (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) كما ذكرنا انّ ذلك من لوازم وجود النّفوس الجزئيّة العلويّة