سَدًّا) حتّى لا يبصروا من جهة دنياهم شيئا يعتبروا به ولا من جهة آخرتهم (فَأَغْشَيْناهُمْ) من جميع جوانبهم (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) قدّامهم وخلفهم ولا ايمانهم وشمائلهم لاغشائهم بالسّدّين ، ولا يبصرون ما تحت اقدامهم لمنع الغلّ ذلك ، ولا ما فوق رؤسهم لذلك ، وذكر في نزول الآية أشياء من أراد فليرجع الى المفصّلات (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وفي الخبر المنسوب الى الصّادق (ع) انّه قال : فهم لا يؤمنون بالله وبولاية علىّ (ع) ومن بعده وقد سبق بيان هذه الكلمات في اوّل البقرة (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) قد مضى مكرّرا انّ الذّكر هو الولاية التّكوينيّة والتّكليفيّة وانّ محمّدا (ص) وعليّا (ع) لكونهما متّحدين مع الولاية يكونان ذكرا ، وانّ القرآن أيضا صورة الولاية ، وانّ الذّكر اللّسانىّ والخيالىّ صورة ذلك الذّكر فالمقصود بالذّكر هاهنا هو الولاية التّكوينيّة الّتى هي عبارة عن الفطرة الانسانيّة ومن اتّبع الفطرة الانسانيّة علم بحسب فطرته بالله ، ومن علم بالله خشيه ، ولا ينفع الإنذار الّا لمن توجّه الى فطرته وقذف الله في قلبه نور العلم وخشي ربّه (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) عظيمة لجميع مساويه (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) لا نقصان ولا نفاد فيه ولا منّة فيه على المأجور (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) تعليل وتسلية ووعد ووعيد (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) من الأعمال الّتى لا تبقى بصورها عليهم (وَآثارَهُمْ) من العلوم والأخلاق وآثار الأعمال الّتى عملوها فبقي آثارها على نفوسهم (وَكُلَّ شَيْءٍ) غير المذكورات (أَحْصَيْناهُ) اى كتبناه (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) هو اللّوح المحفوظ ، أو القلم الأعلى ، أو الامام الّذى هو بنفسه علم الله بكلّ شيء فانّ الله بكلّ شيء عليم في بيوت اذن الله ان ترفع وتلك البيوت هي ائمّة النّاس (وَاضْرِبْ لَهُمْ) اى اذكر لهم (مَثَلاً) اى حالا شبيهة بحالهم حتّى يتنبّهوا بقبح أحوالهم وأفعالهم (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) اى مثل أصحاب القرية وهو بدل من مثلا بجعل اضرب متعدّيا لواحد أو مفعول اوّل لأضرب ومثلا مفعول ثان له والقرية انطاكية أرسل إليها عيسى (ع) أو أرسل الله إليها كما في بعض الاخبار (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا) إذ الاولى بدل من أصحاب القرية بدل الاشتمال ، وإذ الثّانية بدل من الاولى (إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا) اى قوّيناهما (بِثالِثٍ) هو شمعون أو نبىّ من الله تعالى وكان اسم الرّسولين يحيى ويونس (ع) (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) نقل عن الباقر (ع) انّ الله أرسل الى مدينة انطاكية رجلين فجاءاهم بما لا يعرفون فغلّظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام (الى آخر الحديث المذكور في التّفاسير) وفي رواية بعث عيسى (ع) هذين الرّسولين فأتيا انطاكية ولم يصلا الى ملكها وطالت مدّة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبّر فأخذهما الملك وحيسهما في بيت الأصنام فبعث عيسى (ع) شمعون الصّفا رأس الحواريّين فدخل شمعون البلدة منكّرا ونصر الرّسولين وادخل الملك وأهل البلدة في الدّين كما في التّفاسير (قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) اثبتوا لهما البشريّة وحصروهما فيها باعتقاد انّها تنافي الرّسالة من الله المجرّد من الموادّ ونقائصها (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) لانّ الرّحمن لا ينزل الى البشر (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) بمنزلة النّتيجة (قالُوا) بعد ما اصرّوا على الإنكار بتأكيدات عديدة (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) لغاية إنكارهم لم يقتصروا على المدّعى وتأكيداته (قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) عمّا تقولون وهو الّذى تطيّرنا به (لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ) علاوة عن الرّجم (مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) قد مضى هذه الكلمة