حتّى يكون القرآن الّذى يجرى على لسانه شعرا موزونا مقفّى ، أو كلاما شعريّا لا حقيقة له وكان يتزيّن بتمويهات وتخييلات لا حقيقة لها ، فانّ الشّعر يطلق على الكلام الموزون ، وعلى الكلام الشّعرىّ الّذى يكون باطلا وظاهرا بصورة الحقّ بتمويهات وتزيينات ، ونسبوا كليهما اليه ، ولمّا كان الشّعراء في أغلب الأمر بقوّة فصاحتهم وطلاقة لسانهم يأتون بكلام منظوم أو منثور يجذب قلوب السّامعين ورأوا منه مثل ذلك قالوا : انّه شاعر وكلامه شعر ، ولمّا أرادوا ان يقولوا انّ كلماته محض تخييلات من غير حقيقة له قالوا : انّه شاعر كما قالوا : انّه مجنون يعنى انّه آت بكلام مموّه لا حقيقة له كما انّ المجنون يأتى بكلام لا حقيقة له لكن فرق بين الشّاعر الآتي بالكلام المموّه ، والمجنون الآتي بالكلام الظّاهر ـ البطلان الغير المموّه ، ولا يستفاد من هذا ذمّ الشّعر على الإطلاق بل ذمّ ما أرادوا من نسبة الشّعر اليه (ص) ، فانّه (ص) مدح الشّعر وأصغى الى الشّعراء ومدح الحسّان بن ثابت ، وروى انّه كان يتمثّل بقول الشّعراء لكن كان يغيّر الشّعر ولم يأت به موزونا ولكنّ الرّواية من طريق العامّة وقد نسب الى ائمّتنا (ع) اشعار كثيرة ونسب إليهم (ع) انّهم كثيرا ما كانوا يتمثّلون بالاشعار وكانوا يصلون الى من كان يقول فيهم شعرا (وَما يَنْبَغِي لَهُ) يعنى انّا لم نعلّمه كلاما شعريّا ولم يكن شأنه ان نعلّمه ذلك ولم يكن بنفسه ان يأتى بذلك (إِنْ هُوَ) اى القرآن الجاري على لسانه (إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ) كلام جامع لطرفى الدّنيا والآخرة ولأحكام القالب والقلب والرّوح (مُبِينٌ) ظاهر صدقه وجامعيّته ، أو مظهر لصدقه وجامعيّته بمضامينه (لِيُنْذِرَ) القرآن أو محمّد (ص) (مَنْ كانَ حَيًّا) بالفطرة كما عن علىّ (ع) انّه فسّره بمن كان عاقلا يعنى من كان حيّا بالحيوة الانسانيّة بان كان حبل الله فيه ظاهرا غير منقطع ولا محتجب تحت حجب الاهوية ، أو من كان حيّا بالحيوة التّكليفيّة الحاصلة بالبيعة الخاصّة الولويّة المورثة للحبل من النّاس ، وإنذار الحىّ ليس الّا من جهة كفره السّاتر لذينك الحبلين (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) بدخول النّار (عَلَى الْكافِرِينَ) لم يقل ويعذّب أو يورث العذاب للاشعار بانّ العذاب ليس من قبل الله ولا من قبل خلفائه انّما هو من قبلهم وناش من سوء أعمالهم ، والخلفاء لمّا كانوا موازين للعباد وأعمالهم كانوا مظهرين بسوء أعمالهم ولواحقها (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) يعنى ملائكتنا العمّالة فانّهم أيدي الله (أَنْعاماً) خصّ الانعام بالذّكر من جملة ما ينتفع الإنسان في معاشه أو معاده به لما فيها من المنافع المعاشيّة من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب فهي نافعة له في جميع جهات معاشه دون غيرها وينتفع بها في جهات معاده (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) بخلاف سائر ما ينتفع به من أنواع النّبات والأشجار والمعادن فانّ أكثرها غير مملوكة لهم (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) بحيث تنقاد لصبيانهم (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) من ألبانها ولحومها (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ) أخر من منافع ظهرها واشعارها وأوبارها وأصوافها وجلودها (وَمَشارِبُ) من ألبانها (أَفَلا يَشْكُرُونَ) اى الا ينظرون الى ذلك؟! ولا يتفكّرون انّ خلق أمثال ذلك مشتملة على ما يناسب الجهة الّتى ينبغي ان ينتفع الإنسان بها ليس الّا من عليم حكيم بصير قدير مدبّر ذي عناية بالإنسان فلا يشكرون تلك النّعم؟! (وَاتَّخَذُوا) عطف على فلا يشكرون يعنى أفلا يشكرون؟! بل يكفرون بان اتّخذوا ، أو عطف على مجموع أفلا يشكرون يعنى انّهم لا يشكرون البتّة وينبغي ان يشكروا واتّخذوا بدلا من الشّكر (مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) كفرانا به وبنعمه ، ويجوز ان يكون عطفا على لم يروا أو على أولم يروا (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) بالآلهة مع انّ الله ناصرهم في جليلهم وحقيرهم ومعطيهم في قليلهم وكثيرهم (لا يَسْتَطِيعُونَ) جواب سؤال مقدّر أو صفة لآلهة (نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) يعنى انّهم جند للآلهة وينصرون الآلهة لا انّ الآلهة ينصرونهم ومحضرون