عند الآلهة كأنّ الشّياطين أو نفوسهم تحضرهم عند الآلهة والآلهة لعابديهم جند فانّها اتباع اهويتهم وآثارها محضرون في النّار ، أو العابدون جند للآلهة محضرون معهم في النّار (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) في الله أو فيك أو في خلافة خليفتك والأخير هو المراد لانّه غاية الرّسالة (إِنَّا نَعْلَمُ) جواب سؤال مقدّر في مقام التّعليل (ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فلا تبال بما قالوا فانّا قادرون وسامعون لأقوالهم وعالمون بما ينوون ويستحقّون (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) قدرة جماد من أضعف الأشياء (فَإِذا هُوَ) رجل قادر قوىّ ناطق (خَصِيمٌ) يعنى ذو عقل وعلم ونطق وقدرة وقوّة على الدّفع (مُبِينٌ) ظاهر أو مظهر (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) هو قوله من يحيى العظام بعد أخذها وتفتيتها (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) من نطفة بلا سبق اثر منه والحال انّ إحياءه بعد بقاء روحه وسائر آثاره من المادّة والبدن المثالىّ والنّفس الحيوانيّة والنّفس الانسانيّة والرّوح والعقل أسهل (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) من دون اثر منها (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) فيعلم ما بقي منها ممّا ذكرنا ويعلم كيفيّة وصلها وفصلها ووضعها في مواضعها.
اعلم ، انّ الإنسان له بدن طبيعىّ هو مركب لبدنه المثالىّ وله بدن مثالىّ هو مركب لنفسه الحيوانيّة وهي مركب لنفسه الانسانيّة وهي مركب لروحه وعقله ، والباقي منه هو عقله وروحه ونفسه الانسانيّة ونفسه الحيوانيّة وبدنه المثالىّ والفاني منه هو بدنه الطّبيعىّ وهو مادّة معتبرة في الإنسان بنحو الإبهام ، وانّما التّشخّص والتّحصّل له ليس الّا بتلك المراتب الباقية ، ألا ترى انّ بدنه الطّبيعىّ من اوّل استقرار نطفته الى آخر عمره في الفناء والانحلال والبتّة لا يبقى منه شيء الى آخر عمره ومع ذلك هو هو من غير تبدّل لشخصيّته وتحصّله ، وذلك لما كرّرنا ذكره انّ شيئيّة الشّيء هي فعليّته الاخيرة وما ـ سوى فعليّته الاخيرة مأخوذة بنحو الإجمال في شخصيّته ، وفي الاخبار اشعار بما ذكر فانّه ورد عنهم (ع) : انّ اجزاءه الاصليّة تبقى مستديرة عند صدره يعنى انّ اجزاءه الغير الاصليّة غير معتبرة فيه بنحو التّفصيل ، وعن الصّادق (ع) : انّ الرّوح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا كما منه خلق ، وما تقذف به السّباع والهوامّ من أجوافها ممّا أكلته ومزّقته كلّ ذلك في التّراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وانّ تراب الرّوحانيّين بمنزلة الذّهب في التّراب ، فاذا كان حين البعث أمطرت الأرض مطر النّشور فتربوا الأرض ثمّ تمخض مخض السّقاء فيصير تراب البشر كمصير الذّهب من التّراب إذا غسل بالماء ، والزّبد من اللّبن فيجمع تراب كلّ قالب الى قالبه فينتقل بإذن الله القادر الى حيث الرّوح فتعود الصّور بإذن المصوّر كهيئتها وتلج الرّوح فيها فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا ، وعنه (ع) في نزول الآية قال : جاء ابىّ بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففتّه ثمّ قال : يا محمّد (ص) إذا كنّا عظاما ورفاتا أئنّا لمبعوثون خلقا؟ فنزلت (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) هو الشّجر المرخ يؤخذ منه عود ان فيسحق بأحدهما الآخر فيوقد النّار ، ويسمّى العود الأعلى زندا والاخرى السّفلى زندة (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) ابتداء فكيف بهم اعادة (بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ) شأنه الخلق كثيرا ابتداء واعادة (الْعَلِيمُ) بكلّ ما يلزم خلق الخلق في الابتداء أو الاعادة ، عن الصّادق (ع) : وامّا الجدال بالّتى هي أحسن فهو ما امر الله به نبيّه (ص) ان يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له فقال حاكيا : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه (الآية) فأراد من نبيّه (ص) ان يجادل المبطل الّذى قال : كيف يجوز ان يبعث هذه العظام وهي رميم؟!