الهداية من العباد (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) إظهار ليأسه من الأسباب واتّكاله في دعائه على فضله ، والعاقر يستوي فيه المذكّر والمؤنّث (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) لا من الأسباب ليأسى من الأسباب (وَلِيًّا) يلي أموري بحسب الظّاهر والباطن (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) قرئ بالرّفع والجزم ، وقرئ وارث آل يعقوب بنصب وارث وإضافته على ان يكون حالا من أحد الضّميرين ، وقرئ أو يرث آل يعقوب على التّصغير ، ووارث من آل يعقوب بالرّفع على ان يكون فاعل يرثني (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) مرضيّا (يا زَكَرِيَّا) جواب سؤال مقدّر بتقدير القول كأنّه قيل : ما قال في جوابه؟ ـ فقال : قال الله : يا زكريّا (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ) ولد ذكر (اسْمُهُ يَحْيى) الجملة صفة للغلام أو جواب سؤال مقدّر (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) هذه صفة بعد صفة أو حال أو جواب لسؤال مقدّر والمراد بالسّميّ المشارك في الاسم ، أو المماثل في الوصف والحال (قالَ) قد تكرّر فيما سلف انّ أمثال هذه جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فما قال زكريّا (ع)؟ ـ فقال : قال (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) استفهام للتّعجّب ، واستغرابه كان من قبل الأسباب لا من عطاء مسبّب الأسباب ولذلك ذكر عدم المساعدة من جهة الأسباب (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) قرئ عتيا بضمّ العين وكسرها وهو مصدر بمعنى الكبرا وبمعنى يبس الجلد وجفافه ونحول العظم والمفاصل ، وقرئ عسيّا بالسّين بمعناه (قالَ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه استبعد من مقام الأنبياء (ع) مثل هذا الاستغراب فقيل : أقال زكريّا ذلك؟ ـ فقال : قال (كَذلِكَ) أو قال الله أو الملك المبشّر الأمر كذلك أو كذلك مفعول لقوله (قالَ رَبُّكَ) وقوله (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) بيان لكذلك والمجموع مفعول قال الاوّل ، وقرئ وهو علىّ هيّن بواو العطف والمعنى انّى لا حاجة لي الى الأسباب حتّى تستغربه بالنّظر الى الأسباب (وَقَدْ خَلَقْتُكَ) قرئ خلقناك (مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) وإيجاد المعدوم أصعب من جعل العاقر ولودا ، عن ابى جعفر (ع) : انّما ولد يحيى بعد البشارة من الله بخمس سنين (قالَ) زكريّا (ع) (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) علامة اعرف بها الميعاد ووقت الإنجاز لا صدق الوعد فانّه بعيد عن مقام الأنبياء (ع) (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) اى لا تقدر على التّكلّم مع الخلق دون المناجاة مع الله (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) حالكونك سليما غير ذي علّة بلسانك والمراد ثلاث ليال بايّامها فانّه يستعمل اليوم أو اللّيل ويراد به دورة الفلك الأطلس بليلها ويومها ولذلك قال في سورة آل عمران : (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) نقل انّه اعتقل لسانه عن التّكلّم مع النّاس ولم يعتقل عن ذكر الله (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) من مصلّاه ، سمّى المصلّى محرابا لكونه محلّ محاربة الشّيطان ، قيل : وكان زكريّا (ع) قد أخبر قومه بما بشّر به فلمّا خرج عليهم وامتنع من كلامهم علموا اجابة دعائه فسّروا به (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) أومى إليهم ، وقيل : كتب في الأرض (أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) صلّوا في الصّباح والمساء ، أو سبّحوا لله فيهما ، أو في جملة أوقاتكم فأنّه يستعمل هذان اللّفظان في استغراق الأوقات (يا يَحْيى) هو بتقدير فأعطيناه الغلام وقوّيناه وآتينا الكتاب وقلنا يا يحيى (خُذِ الْكِتابَ) اى النّبوّة أو الرّسالة أو كتاب التّوراة (بِقُوَّةٍ) وعزيمة من قلبك وهو اشارة الى التّمكين في مقام النّبوّة فانّ التّلوين لا يليق بصاحب النّبوّة (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ) اى الرّسالة والقدرة على المحاكمة بين الخصوم ، أو النّبوّة والحكم بين المخاصمين في وجوده من قواه وجنوده ، أو الولاية وآثارها الّتى هي الدّقّة في العلم والعمل (صَبِيًّا وَحَناناً) الحنان