كالسّحاب الرّحمة والرّزق والبركة والهيبة والوقار ورقّة القلب وهو عطف على الحكم بمعنى أعطيناه رحمة من لدنّا أو بركة (الى آخر معانيه) فصار مرحوما أو ذا بركة (الى آخرها) أو بمعنى أعطيناه رحمة فصار راحما وبركة على الغير ، أو هو بمعنى اسم الفاعل أو المفعول وعطف على صبيّا والمعنى آتيناه الحكم حالكونه راحما أو مرحوما (مِنْ لَدُنَّا) وحينئذ يجوز ان يكون من لدنّا متعلّقا بآتينا اى آتيناه الحكم من لدنّا حالكونه صبيّا وراحما أو مرحوما (وَزَكاةً) هي في الاعراب مثل حنانا والزّكاة صفوة الشّيء أو صدقة تخرجها من مالك لتطهّر الباقي أو نماء المال (وَكانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً) متكبّرا متطاولا بالنّسبة الى الخلق (عَصِيًّا) بالنّسبة الى الحقّ (وَسَلامٌ عَلَيْهِ) اى تحيّة منّا عليه ، أو سلامة وامن من الآفات البدنيّة والنّفسانيّة عليه (يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) ولمّا كان الأوقات الثّلاثة اوّل الخروج والدّخول في عالم آخر وهو وقت الانقطاع من المألوف والاتّصال بغير المألوف وكلاهما موحش للإنسان خصّصها بالذّكر (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) تنحّت (مِنْ أَهْلِها) واستعمال الانتباذ للاشارة الى انّها ذهبت الى تلك النّاحية بحيث كأنّها نبذها نابذ فانتبذت من أهلها (مَكاناً شَرْقِيًّا) قيل ذهبت وانغزلت من أهلها في دار زكريّا الى مشرق الدّار للخلوة للعبادة أو للاغتسال ، أو الى مشرق البلد خارج البلد للاغتسال ، أو الى مكان يشرق عليه الشّمس لانّها خرجت في يوم شديد البرد فجلست للاستدفاء بالشّمس ، أو الى الفرات الى النّخلة اليابسة للغسل قبل الحمل ، أو للطّلق بعد الحمل ويكون قوله (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) من قبيل عطف التّفصيل على الإجمال ولا يكون الفاء للتّرتيب المعنوىّ ، واتّخاذ الحجاب كان في المحراب أو في المغسل أو في محلّ شروق الشّمس (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) يعنى جبرئيل (ع) أو الرّوح الّذى هو فوق جبرئيل ، والتّشريف بالاضافة يقتضي ان يكون هذا هو المراد ، على انّ التّوجّه الى البشر وتربية آدم انّما هو من الرّوح الّذى هو ربّ النّوع الانسانىّ وهو أعظم من الملائكة كلّهم (فَتَمَثَّلَ) اى تصوّر بصورة (لَها بَشَراً سَوِيًّا) قيل تمثّل في صورة شابّ سوىّ الخلقة (قالَتْ) بحسب اعتيادها التّعوّذ بالله عند كلّ مخوف (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) متّقيا معتنيا باستعاذتى خائفا من الله ، وقيل : انّه كان رجلا مسمّى بالتّقى وكان مشهورا بالفجور فظنّت انّه هو حيث رأته لا يتّقى من النّظر الى الاجنبيّة ، وقيل : ان نافية والمعنى ما كنت متّقيا من الشّرّ لانّك نظرت الى ما لا يجوز لك النّظر اليه (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) فلا تستعيذي منّى به (لِأَهَبَ) قرئ بالتّكلّم والغيبة (لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) طاهرا من الذّنوب وممّا يتلوّث به البشر أو ناميا أو مباركا أو متنعّما أو صالحا (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) استفهام للتّعجّب والتّحيّر من غلام من غير أسباب التّوالد مورث للّوم والاتّهام (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) يعنى بطريق النّكاح المشروع فانّه يكنّى به عنه كثيرا وبقرينة قولها (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) البغىّ والبغوّ الامة الفاجرة وكلّ فاجر (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) قد مضى نظيره (وَلِنَجْعَلَهُ) عطف على مقدّر أو متعلّق بمعطوف مقدّر اى نفعل ذلك لنجعله (آيَةً) دالّة على آلهتنا وعلى سعة علمنا وقدرتنا على ما لا يقدر عليه أحد من الايلاد من غير والد ومن احياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ونفخ الرّوح في الطّين وجعله حيّا (لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا) عليهم (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) محتوما (فَحَمَلَتْهُ) بان نفخت في جيب مدرعتها ، واختلف في مدّة حملها فما في الاخبار الصّحيحة انّ مدّة حملها كانت تسع ساعات بحذاء تسعة أشهر ، وفي بعضها : انّها كانت ساعة ،