نسبة الذّات الى النّفس الى السّفر من الحقّ الى الحقّ ، وبقوله : (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) الى السّير بالحقّ في الحقّ ، وبقوله : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) الى السّير بالحقّ في الخلق ، ولا ينافي ذلك الخطاب كمال الكامل حتّى ينافي تفسير الآية بالأئمّة (ع) فانّ الكامل لكونه جامعا لجميع المراتب يكون له على سبيل الاستمرار سير من الخلق الى الحقّ وسير مع الحقّ في الخلق ، وقد أشرنا في المقدّمات وفي تفسير الفاتحة وفيما بعدها الى الاسفار وكيفيّة السّلوك فيها (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) لمّا كان الخطاب لآل محمّد (ص) خاطبهم بهذا الخطاب والّا فمثل هذا التّكليف لغيرهم تكليف بما لا يطاق بل يقال لهم : جاهدوا في الله حقّ جهادكم لا حقّ جهاده فانّ حقّ الجهاد في الله على الإطلاق وحقّ الجهاد اللّائق بالله ان لا يبقى شيء من انانيّة العبد ويبقى بعد فنائه بحيث يلاحظ الحقّ في الخلق والخلق في الحقّ من دون نقصان لشيء منهما ، ولحاظ الوحدة والكثرة على ما ينبغي لا يتيسّر الّا لصاحب الجمع المطلق يعنى صاحب الولاية الكلّيّة والرّسالة الكلّيّة كما قيل :
جمع صورت با چنين معنى ژرف |
|
مى نيايد جز ز سلطان شگرف |
(هُوَ اجْتَباكُمْ) استيناف في مقام التّعليل (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) عطف على قوله هو اجتبيكم ويفيد التّعليل أيضا والدّين كما سبق مكرّرا عبارة عن صورة الملّة الّتى هي الأحكام القالبيّة الاسلاميّة ، وعن احكام الايمان القلبيّة ، وعن طريق النّفس الى القلب ، والقلب الى الرّوح ، والرّوح الى العقل ، وهكذا ، وما جعل الله لأحد في شيء من ذلك حرجا فانّ التّكليف بقدر الوسع ، وإذا بلغ السّالك الى الطّريق كان له وسعة لا يتصوّر سعة مثلها فانّه ما دام يكون سالكا الى الطّريق يكون في ضيق وحرج وقبض وقلق ، وإذا بلغ الى الطّريق الى الله وهو مثال شيخة وملكوته تبدّل ضيقه بالسّعة وقبضه بالبسط وقلقه بالاطمينان ، وتبعه بالرّاحة ، رزقنا الله وجميع المؤمنين (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) في هذا اشارة الى انّ تنزيل الآية لأهل بيت محمّد (ص) كما فسّروها لنا وإذا أريد بالأبوّة الابوّة الرّوحانيّة كان التّفسير صرفا من التّنزيل الى التّأويل وتصدق هذه النّسبة على من صار منتسبا الى إبراهيم (ع) بالبنوّة ، وهذا الانتساب لا يكون الّا إذا صدق الاتّصال بالبيعة العامّة ان لم نقل بلزوم البيعة الخاصّة الولويّة في صدق هذه النّسبة (هُوَ) اى إبراهيم (ع) أو الله (سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) يعنى من قبل هذا الزّمان أو من قبل القرآن أو من قبل هذا العالم في العوالم العالية (وَفِي هذا) الزّمان أو القرآن أو العالم ، وتسمية إبراهيم (ع) لهم مسلمين في هذا الزّمان بواسطة بقاء هذا الاسم لهم منه في هذا الزّمان (لِيَكُونَ) تعليل للأوامر السّابقة ، أو للمدائح اللّائقة ، أو للمجموع يعنى جاهدوا ليكون (الرَّسُولُ) واجتبيكم ليكون الرّسول (ص) (شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) هذا أيضا يدلّ على اختصاص الآية بالأئمّة (ع) (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) قد مضى في اوّل البقرة بيان الصّلوة وأقسامها وإقامتها وبيان الزّكاة وأطوارها وايتائها (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) بالاعتصام بالولاية فانّ الاعتصام بالله باعتبار مقام الغيب لا يتصوّر للإنسان ما كان شاعرا بذاته فالمراد الاعتصام بخلفائه والاعتصام بطريقه الّذى هو طريق الولاية (هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى) يعنى إذا كان موليكم فنعم المولى (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) هو.