يرثها أهل الجحيم في الجنان يرثها أهل الجنان يعنى يرث كلّ من المتناسبين منازل الآخر وبهذا التّناسب يصحّ اطلاق التّوارث فعلى ما ذكر كان معنى الآية الّذين يرثون الفردوس من صاحب الولاية المطلقة أو من متناسبيهم من أهل الجحيم (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) عطف على قد أفلح المؤمنون ووجه المناسبة بينهما انّ فلاح المؤمن عبارة عن خلاصه عن نقائص المادّة وشوائب العدم وخروجه عن القوّة الى الفعليّة واوّل مراتب خلقته أيضا خلاص من العدم وعن نقائص المادّة وخروج من القوى الى الفعليّات فكأنّه علّل صحّة فلاحه بهذا العطف وقال : انّ فلاحه مثل خلقته المشهودة لكم بحسب آثارها فانّ النّشأة الآخرة مثل النّشأة الدّنيا ، ويجوز ان يكون حالا بهذا المعنى ، والسّلالة ما انسلّ من الشّيء ونكرّ السّلالة والطّين للاشعار بانّهما كانا نوعين خاصّين من السّلالة والطّين ، ومن الاولى ابتدائيّة متعلّقة بخلقنا والثّانية بيانيّة أو تبعيضيّة متعلّقة بمحذوف صفة لسلالة ، أو ابتدائيّة متعلّقة بسلالة ، أو بمحذوف صفة لسلالة ، أو هي مع ما بعدها بدل من قوله من سلالة ، والمراد بالإنسان الجنس وبالسّلالة النّطفة قبل انفصالها من الأصلاب والتّرائب وقبل ان تسمّى نطفة ، وبالطّين طين آدم أو الغذاء مطلقا أو الغذاء المهضوم في المعدة أو الكيد أو العروق أو الأعضاء فانّ الكلّ بوجه تراب خليط بالماء خلطة أتمّ وأبلغ من الطّين المعروف ، وقيل : المراد بالإنسان آدم (ع) ابو البشر ، وبالسّلالة التّراب المأخوذ من أديم الأرض (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً) مستقرّا (فِي قَرارٍ) القرار والقرارة بفتحهما ما يستقرّ فيه الشيء (مَكِينٍ) من المكان بمعنى الموضع أو من المكانة بمعنى المنزلة عند الملك ، أو من التّمكّن بمعنى الاقتدار ، والمراد بالقرار المكين الرّحم (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ) اى صيّرنا النّطفة (عَلَقَةً) أو خلقنا من النّطفة علقة (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) أتى بثمّ في الفقرة الاولى للاشارة الى امتداد الزّمان من اوّل استقرار النّطفة في الرّحم الى صيرورتها دما منعقدا بخلاف صيرورة العلقة مضغة فانّه لا تراخى بين العلقة والمضغة (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) يعنى صيّرنا وصوّرنا اوّلا صورة العظام فانّه ما لم يتميّز العظام في بدن الجنين لا يتصوّر تصوير اللّحوم فانّ اللّحوم في كلّ موضع بنحو مخصوص وليس تميّزها وخصوصيّاتها الّا بتميّز محالّها الّتى هي العظام وخصوصيّاتها (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أتى بثمّ للاشعار بتراخي مرتبة الإنشاء عن الخلق فانّ الخلق يستعمل في المكوّنات المادّيّات ، والإنشاء في المجرّدات ، وقد يخصّ الخلق بما يحتاج الى مادّة ومدّة كالمواليد ، والاختراع بما يحتاج الى المادّة دون المدّة كالسّماوات والعناصر ، والإنشاء بالمتقدّرات المجرّدة عن المادّة والمدّة ، والإبداع بالمجرّدات عن الكلّ وبكلا المعنيين يكون الإنشاء أعلى درجة من الخلق ، وللاشارة الى انّ إنشاء نفس الإنسان ليس كصيرورة العلقة مضغة بلا فرجة بل لا يكون إنشاء نفس الإنسان ممتازة عن بدنه الّا آخر ايّام الحمل أو اوّل ايّام الوضع فيكون بين كسوة العظام لحما وبين إنشائه نفسا تراخ (فَتَبارَكَ اللهُ) بمعنى تنزّه وتقدّس وهذه كلمة خاصّة بالله بهذا المعنى يقال في مقام التّعجّب من الشّيء وتعظيمه وان كان أصله من البركة بمعنى النّماء والزّيادة في الخيرات ، عقّب الإنشاء بهذه الكلمة للاشارة الى انّ إنشاء نفس الإنسان امر عظيم ينبغي ان يتعجّب منه وينزّه منشئه عن وصمة النّقص ، والتفت من التّكلّم الى الغيبة ولم يقل تباركنا لانّ هذه الكلمة صارت كالامثال في مخاطباتهم ولا تتغيّر (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) يعنى انّ الخالقيّة الحقيقيّة ان كانت منحصرة في الله فوسائطه لخلقه من الملائكة والقوى والصّنّاع كثيرة والله تعالى أحسن الكلّ لعدم احتياجه في خلقه الى شيء من مثال سابق ومادّة ومدد وآلة وقوى وجوارح وأعضاء (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ) وجه الإتيان