رَسُولُ اللهِ) هذه الجملة كسابقتها جواب لسؤال مقدّر ومحمّد مبتدء ورسول الله خبره أو رسول الله صفته وقوله (وَالَّذِينَ مَعَهُ) عطف على محمّد (ص) عطف المفرد والمعنى على الوجه الاوّل محمّد رسول الله (ص) والّذين معه في المرتبة رسل الله ، وعلى الوجه الثّانى محمّد رسول الله (ص) مع الّذين معه (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) أو عطف على رسول الله (ص) على الوجه الاوّل والمعنى محمّد رسول الله (ص) وهو الّذين معه في الدّرجة فانّه لا فرق بينه وبين من كان معه في الدّرجة ، أو هو الّذين معه بالبيعة والتّوبة فانّه وان كان غيرهم بوجه لكنّه فعليّتهم الاخيرة وقد مرّ مرارا انّ شيئيّة الشّيء بفعليّته الاخيرة فشيئيّتهم الّتى هي فعليّتهم الاخيرة محمّد (ص) باعتبار تنزّله بصورته الى مراتبهم فانّه قد مضى مكرّرا انّ البيعة تورث تكيّف البائع بحسب نفسه وفعليّته الاخيرة بصورة نازلة من الّذى بويع معه ، وقوله تعالى اشدّاء على الكفّار (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) قرئ بالرّفع خبرا لمحمّد (ص) والّذين معه على وجه أو خبرا للّذين معه على وجه ، أو خبرا لمبتدء محذوف على وجه ، وقرئ بالنّصب حالا ، ولم يأت بأداة الوصل للاشعار بانّهم جامعون بين الوصفين في جميع الأحوال لا انّ بعضهم اشدّاء وبعضهم رحماء ، ولا انّهم في حال اشدّاء وفي حال رحماء كأنّهم مرجوا الشّدّة بالرّحمة نظير حلو حامض ، لكنّ الاشدّاء بمادّته والرّحماء بهيئته يدلّان على انّهم جامعون بين الوصفين وكاملون فيهما (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) كأنّهم من كثرة صلوتهم مزجوا بين الوصفين (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) الفضل عبارة عمّا يفيض الله على العباد بحسب مقام كثرتهم ، والرّضوان عبارة عمّا يفيضه عليهم بحسب مقام وحدتهم وبعبارة اخرى الفضل جزاء الأعمال المأخوذة بحسب قبول الرّسالة وهي احكام القالب ، والرّضوان جزاء الأعمال المأخوذة بحسب قبول الولاية وهي احكام القلب والرّوح (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) المراد به الأثر الّذى يحدث في جباههم من كثرة السّجود في الصّلوة ، أو المراد الأثر الّذى يحدث في وجوههم من السّهر بسبب صلوة اللّيل ، أو الأثر الّذى يحدث في وجوههم من كثرة خشوعهم لله تعالى (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ).
اعلم ، انّ السّالك له شأنان ؛ شأن السّلوك وشأن الجذب وهو بشأن السّلوك يؤدّى الحقوق ويقيم كثرات وجوده من قواه وجنوده ويقيم من كان تحت يده من اهله وعياله وخدمه وحشمه ويصلحهم ويسدّ فاقتهم ، وبشأن الجذب ينصرف عن الكثرات الى الوحدة ويجذب قواه وجنوده وعياله الى جهة الوحدة ، ويجعل مرمّة معاشه ومعاش من تحت يده بحيث يؤدّى الى حسن معاده ، وبعبارة اخرى له توجّه الى الكثرات وتوجّه الى الوحدة ، وبتوجّهه الى الكثرة يصلح معاشه بحيث يؤدّى الى حسن معاده ، وبتوجّهه الى الوحدة يصرف قواه وجنوده عن الكثرة الى الوحدة ، وبعبارة اخرى له قربان ؛ قرب النّوافل وقرب الفرائض ، وبعبارة اخرى ما يصل اليه من الله امّا يصل اليه بكسبه واعماله وسبق استعداده واستحقاقه واختياره وانانيّته ، أو من دون ذلك ، والكامل أيضا له نظران ؛ نظر الى الكثرة ونظر الى الوحدة ، ووجه الى الكثرة ووجه الى الوحدة ، وبالوجه الى الوحدة يأخذ من الله وبالوجه الى الكثرة يفيض ما يأخذه على غيره ، وبتفاوت هذين النّظرين يختلف الكاملون في مراتب الكمال ، والكامل المطلق من كان نظره الى الطّرفين متساويا من غير ترجّح لأحد الطّرفين على الآخر وهو شأن محمّد (ص) والّذين معه ، وامّا سائر الأنبياء (ع) فلا يخلو أحد منهم من رجحان أحد الطّرفين وانّ موسى (ع) كان نظره الى الكثرات غالبا على نظره الى الوحدة ، وعيسى (ع) كان نظره الى الوحدة غالبا ولذا نقل فيما نقل انّ محمّدا (ص) قال : انّ أخي موسى (ع) كان عينه اليمنى عمياء ، وأخي عيسى (ع) كان عينه اليسرى عمياء ، وانا ذو العينين ، وللاشارة الى انّ محمّدا (ص) والمحمّديّين جامعون للطّرفين وكاملون في النّظرين وتامّون في القربين قال : ذلك الّذى ذكرنا من اتّصافهم بالأوصاف الاختياريّة والأحكام القالبيّة ، وإصلاح الكثرة مثلهم